الحديث مع وزير الإقتصاد والتجارة الان حكيم، شيّق ومثير، فهو ابن بيئة إدارة الأعمال، التي نال فيها شهادة الدكتوراه والتسويق، ومارس عمله الأكاديمي الجامعي بأداء جدير بالتنويه، إلى جانب عمله المصرفي، قبل أن يختاره حزب الكتائب الذي ينتمي إليه، ضمن تشكيلة حكومة المصلحة الوطنية.
بين جدران مكتبه في الوزارة وسقفه، لم نجد ما يحول لتغطية آرائه الصريحة وجرأته العفوية، فأطلق عبر الأثير وقائع وأوصاف لحال السياسيين في مرحلة دقيقة وحساسة تحتاج إلى الخروج من حلقة الفساد التي تعشّش في زواريب المحاصصة السياسية. مجلة "رانيا" التقت الوزير حكيم في الحوار التالي:
أطلقت الهيئات الإقتصادية صرخة "القرار ضدّ الإنتحار" كيف تنظر إلى هذا التحرّك الثاني، بعد الإضراب الأول منذ سنتين؟
إن تحرّك الهيئات الإقتصادية في هذه الظروف، يعتبر طبيعياً لمنع لبنان من التوجّه نحو مشكلة اقتصادية متفاقمة، وفي ظلّ حالة اقتصادية مقبولة نوعاً ما، بالمقارنة بما يجري من حولنا، إلى جانب الحالة السياسية الداخلية التي تنعكس بالضرورة على الإقتصاد اللبناني. ومن هنا أرى أن لدينا مقاومة اقتصادية صامدة، وفي ظلّ استقرار اقتصادي نوعاً ما، إلاّ أنّه يجب الإستدراك بعد مرور 4 سنوات على صمودنا أنه لا يمكن لاقتصادنا أن ينمو في ظلّ استمرار الركود، ولا بد من قرع جرس الإنذار تلافياً للتراجع وعدم تحقيق النمو المنشود. وبرأيي فإنّ جرس الإنذار لن يؤثر على الطبقة السياسية، ولن يقدّم ولا يؤخّر، وقد لمست مدى معاناة الصناعيين خلال زياراتي للمصانع، ومنها من صرف مبالغ طائلة لتأسيس مصنعه، وقد وجدت أنه جمّد خطوط انتاجه بسبب عدم القدرة على التصدير الناتج عن إقفال المعابر البرية، ويصرّ الصناعيون على البقاء في لبنان وعدم نقل استثماراتهم إلى دول عربية أخرى تعلّقاً بالوطن. أما نحن كدولة، فإننا لا نقوم بواجباتنا البديهية، ونختلف على بند من هنا أو هناك ويغيب مجلس الوزراء عن الإنعقاد، فيما المصدّرون بأمسّ الحاجة لمساعدتهم في دعم صادراتهم ودفع فارق الكلفة على النقل البحري، المطروح بمبلغ 21 مليون دولار.
إن ما ذكرته يرتبط بفرضية (الإستقرار، الثقة والإستمرارية) التي سبق ورفعتها. كيف يمكن تحقيق نمو اقتصادي في غياب هذه العوامل الأساسية؟
أولاً، يجب النظر إلى الخلل السياسي، وتعديل النظام السياسي ككل، فهذا النظام السياسي متهم بالفساد والهدر وتمرير المصالح الشخصية على حساب مصالح الناس، في حين أننا غير جاهزين للتغيير، في ظل أولويات ضرورية لا بدّ من تحقيقها، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، والنظر إلى تعطيل المجلس النيابي، وإقرار الموازنة، وبعد ذلك يتم من خلال رئيس الجمهورية المنتخب وضع خطة استراتيجية للعمل خلال سنوات عهده ودراسة إعادة تغيير النظام اللبناني، لكني لا أعتقد أن السياسيين يريدون التخلّي عن مصالحهم.
كيف يمكن النهوض بالإقتصاد اللبناني، في غياب تفعيل دور المجلس الإقتصادي والإجتماعي؟
ضمن إطار خطة إصلاح الدولة اللبنانية يبرز بند لأهمّ التجمّعات وهو المجلس الإقتصادي والإجتماعي على الصعد كافة، وبرأيي لو تم تفعيل المجلس لكنا طرحنا كل المشاكل العالقة من خلاله، ولا شكّ نحن بأمسّ الحاجة لتفعيل دوره، خاصة في ظلّ هذا النظام السياسي الفاسد مالياً وأخلاقياً، الذي ينمّ تعطيلدوره عن مصالح شخصية بل وتسلط على مقدرات الدولة المركزية.
يعني، هل تبشّرنا بوصول الحملات ضد الفساد في المستقبل إلى حائط مسدود، وعودة الوضع إلى ما كان عليه؟
أنا لا أعتبر أنّ ما تمّ بمثابة حملات بقدر ما هو من واجبات الوزارات المعنية، ونحن نقوم بواجباتنا التي من الواجب الطبيعي أن نقوم بها، وعلى الرغم من بعض أساليب الوزراء المعتمدة في تلك الإجراءات، وقد اعترضت على الأسلوب الإعلامي الذي اعتمد في مواكبة الإجراءات وطرحها على الإعلام، الذي أضرّ بالكثير من المؤسسات، وكان يجب إجراء ما يلزم بعيداً عن التشهير بطريقة بنّاءة واعتماد القانون ومساعدة الهيئات والجهات المختصّة حول تلك الإجراءات البديهية.
ما هي التغييرات التي أحدثتها في الوزارة منذ استلامك وماذا حققت حتى اليوم؟
منذ أن استلمت وزارة الإقتصاد، كان لدينا هدفان يتعلقان بالخطة الإستراتيجية، وهما تحفيز الإستهلاك وحماية الإستهلاك. ففي الإطار الأول هناك بند يتمحور حول لبننة الإقتصاد، من خلال الإعتماد على أنفسنا وعدم الإعتماد على إخواننا في الدول العربية ودول الخليج، ما أدّى إلى زيادة الإستهلاك حيث يدل المؤشر الإستهلاكي اليوم إلى زيادة بنسبة ما بين 4 و6 % بشكل عام.
ومن ناحية أخرى، تم توقيع العديد من الإتفاقيات لفتح أسواق جديدة، بواسطة الديبلوماسية الإقتصادية، وقد نجحنا في أسواق الإتحاد التجاري لدول أميركا الجنوبية، كذلك أسواق بلدان غير كلاسيكية في أوروبا والتي تمتلك إمكانيات عالية، بالإضافة إلى روسيا كمرحلة ثالثة، إلاّ أنّ لدينا نقطة ضعف في افريقيا، بالرغم من التفاعل مع الجاليات اللبنانية فيها. وقد وضعنا خطة عمل للتواصل مع رجال أعمال منتشرين في المهجر، وتأسيس مجالس جديدة لرجال أعمال في البلدان التي لم يكن فيها وذلك لتسهيل التواصل.
أما من ناحية حماية الإستهلاك، فذلك يتم من خلال مديرية المستهلك في الوزارة التي تقوم بدورها الرقابي، وقد توصّلت إلى نحو 1700 زيارة أسبوعياً على المؤسسات المختلفة، وتسطّر بحقّها مخالفات تحال إلى القضاء وأخرى توجّه إليها إنذارات، في حين يتم إعادة متابعتها لإصلاح الخلل، وهذه الإجراءات تطال مختلف المجالات من الأسعار والتغليف وتاريخ الإنتاج ومدة الصلاحية وغيرها...
وقد وضعنا حلقات تواصل ما بين المواطن والوزارة عبر خط ساخن يحمل الرقم 1739 لتلقي الشكاوى والتبليغ عن أي مخالفة، ما يمكن المواطن من تصوير المخالفة وإرسالها للمصلحة، التي تقوم بمتابعتها بالتعاون مع بقية الوزارات المختصة، علماً أننا نصدر تقريراً أسبوعياً حول الإحصاءات الرقابية. كما أشركنا من ناحية أخرى، طلاب الجامعات وقد تم تدريبهم وتوعيتهم على عمليات الرقابة من خلال جولاتهم مع المراقبين، كما حققنا تقدّماً ملموساً في هذا المجال لمكافحة الفساد، بمشاركة مؤسسة "سكّرنا الدكانة" الناشطة التي اتخذت مركزاً مراقباً لها في مبنى الوزارة لمتابعة شكاوى المواطنين عن كثب.
و لا بُدّ من الإشارة إلى أن فريق المراقبين لا يتعدى 168 مراقباً، علماً أن أعدادهم لا تكفي لمراقبة الأراضي اللبنانية حتى لو كان عددهم يفوق 2000، فالمتعارف عليه عالمياً هو أن المواطن يعتبر الخفير والمراقب الأول من خلال تعاونه مع الجهات المختصّة.
أطلقتم مؤخراً (الإستراتيجية اللبنانية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة)، هل شكّلتم لجاناً مشتركة مع القطاع الخاص لمتابعة وتنفيذ الخطة؟
إن الإستراتيجية اللبنانية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعتبر بمثابة ميثاق، يعتمد أولاً على تكوينها، ثانياً على طريقة عملها وثالثاً يعتمد على أهداف الأعمال في القطاعات المختلفة، حيث تتم مساعدتهم ودعمهم عبر الهيئات والجهات المختصة، لا سيما مصرف لبنان وجمعية المصارف، والأمور تسير بخطى ثابتة وجيدة، ولا ننسى أن 98% من مؤسساتنا هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة وبشكل عام أنا مرتاح نوعاً ما لما يتم في هذا الصدد، حيث لا أستطيع أن أكون في عملي أسرع من أعمال الدولة والبلد ككل، فإذا لم أتلقّ المساعدات لن أستطيع بدوري أن أقدم أي مساعدة، وهنا لا بدّ من العودة إلى العوامل المؤثرة في هذا المجال وأهمها الإستقرار والإستمرارية، اللذان بدونهما لا يمكن الحديث عن مؤسسات صغيرة ومتوسطة، بالإضافة إلى عامل الثقة التي تؤدّي بالنتيجة إلى انطلاق المؤسسات مع الإشارة إلى مبادرة القطاع الخاص التي تسيّر القطاع والذي يعتبر الركيزة الأساسية في الإقتصاد.
كيف يمكن التعويض عن تراجع الإستثمار الأجنبي في لبنان وضعف الإستثمار المحلي؟
لا شك أن نسبة الإستثمار الأجنبي قد سجّل تراجعاً بلغ في عام 2014 نحو 23%، ومن المتوقع أن يسجّل تراجعاً أكبر، وإمكانية التعويض عن هذا الإستثمار تتمّ عن طريق إعادة الإستقرار والثقة والإستمرار لطمأنة المستثمر، ثانياً من خلال لبننة الإقتصاد وتحويل الإستهلاك، واستقطاب الشريحة السياحية من الإغتراب اللبناني، الذي يعتبر مكمن قوة للبنان، وقد زاد أعدادهم حيث سجّل ما نسبته 21.3% بتطوّر نسبته 11% في الإنفاق السياحي منذ بداية العام الجاري 2015، كما سجّلت حركة مطار بيروت ازدياد بنسبة 9.4%، وتعتبر هذه الأرقام لافتة في ظلّ الوضع الذي تمرّ به المنطقة ولبنان، كذلك بالنسبة للنمو التي تقدّر بنحو 2% ممّا يعدّ إنجازاً في هذه الظروف.
ما هي الخطوات الملائمة لتحسين فرص العمل في ظلّ تزايد نسب البطالة، ومنافسة اليد العاملة السورية؟
نحتاج إلى خطة اقتصادية، بدءاً من تحفيز الإستهلاك والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والمصانع اللبنانية، وإعادة تركيز الإقتصاد في قطاعات عدة، وليس الإعتماد على الخدمات فحسب، كما حصل على مدى 15 سنة الماضية، ونحن حالياً ندفع ثمن أخطائنا السياسية في هذا المجال.
هناك خلاف حول عدد من الملفات داخل الحكومة، ولا سيما أزمة الموازنة، ما مدى تأثير ذلك على استمرار الحكومة وتلبية شؤون المواطن، في سلوك مخالف للدستور والقوانين؟
نحن بالمبدأ لا نسير إلاّ على المخالفات، بالإعتماد على التفسيرات الذاتية في ظلّ نظام سياسي فاسد في غياب المرجعية، وكل الأمور يتم تمريرها على عجل لتقطيع المواضيع الفائضة بالفساد والهدر. ولا بدّ من الخروج من هذه الحالة من خلال إعادة النظام الحالي إلى أصوله، أولاً بانتخاب رئيس للجمهورية، وتفعيل دور مجلس النواب التشريعي وإقرار القوانين العالقة، ثانياً اجراء انتخابات نيابية جديدة، وإعطاء الثقة للهيئات الإقتصادية الخارجية، واستيعاب الهبات المموّلة والإستفادة منها والتي تقدر بنحو 1.1 مليار دولار قبل أن نخسرها، نتيجة لعدم المبالاة، وعدم المسؤولية والإدراك، والركض حول كيفية تقسيم الحصص، في ظلّ دولة يمكن وصفها بأنها (ارطة حرامية). أما بالنسبة لعدم إقرار الموازنة وما يتم من تهديد بعدم دفع رواتب الموظفين، ما هو إلاّ هزّ عصا، فنحن السياسيين عبارة عن (كشاشين حمام)، وعلى الرغم من المغالطات والمشاكل التي تحيط بالموازنة، إلاّ أننا ندعو لقبولها كما هي لإعادة الثقة للمستثمرين في الخارج، وباعتقادي أنها سوف تمرّر كما سابقاتها، وقد وعد وزير المالية بإنجازها قبل نهاية العام الحالي 2015 لإقرارها.
تعليقات الزوار