بدأ لبنان بإجراءات النقل في ملف الكهرباء ونأمل في أن تبدأ النتائج بالظهور تباعاً
مكافحة الفساد بحاجة إلى إجراءات بنيوية
يمثّل المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني نموذجاً يُحتذى به في إدارات الدولة، وقد تمّ تكريمه مرات عدة، لا سيما حين منحته الحكومة الفرنسية "وسام جوقة الشرف الوطني"، بعد أن جرى تعيينه في عام 2000، في عهد وزير المال آنذاك جورج قرم. كان بيفاني المدير العام الأصغر سنّاً في تاريخ الجمهورية اللبنانية، إذ لم يكن قد بلغ عامه الثاني والثلاثين.هو عضو في مجلس إدارة مصرف لبنان، وهو أيضاً عضو في الهيئة المصرفية العليا التي تضمّ ستة أعضاء. هو رئيس اللجنة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومحافظ مناوب لـ "البنك الدولي للإنشاء والتعمير- البنك الدولي"، ورئيس "مجموعة الـ24" حالياً. لم يكن عُمر بيفاني العنصر الوحيد للترحيب بتعيينه يومها، بل أيضاً استحواذه على المؤهلات اللازمة، كونه متخرّجاً من معهد الدراسات العليا التجارية في باريس، وهو مهندس فيزيائي وصاحب خبرة إدارية ومالية في العديد من المؤسسات. يشغل بيفاني منصبه منذ 18 عاماً. عاصر ثلاثة عهود رئاسية و11 حكومة، وعمل مع 9 وزراء مختلفين للمالية. وقد أدّى أدواراً لافتة من موقعه الإداري، لا سيما على صعيد اقتراح الإصلاحات الضريبية وإعادة تكوين حسابات الدولة المالية منذ عام 1993، والدفع باتجاه العودة إلى الأحكام الدستورية والقانونية لجهة وضع موازنة عامّة سنوية وشاملة ضمن المهل المحدّدة، فضلاً عن عمله وفريق الوزارة على مجموعة من الاستراتيجيات والبرامج والقوانين.
ما هو وضع لبنان اليوم بالنسبة إلى الدين العام والعجز في الموازنة؟
يشهد لبنان مستويات عجز أكبر من العادة، لأنّ هناك عوامل محددة ترفع العجز مرحلياً منها: زيادة خدمة الدين العام، ازدياد الحاجة إلى التحويلات لصالح كهرباء لبنان، زيادة التوظيف في الدولة وسلسلة الرتب والرواتب. وقد واكبنا ذلك بإجراءات أمّنت إيرادات إضافية، بالرغم من أنّها لا تغطّي النفقات الإضافية ونحن متجهون إلى عجز أكبر بالمقارنة مع السنوات الماضية، يناهز الـ 8 في المئة من الناتج المحلي. هذا العجز سيتمّ وضعه على منحدر تدريجي في السنوات المقبلة، لأنه يجب أن لا يتفاقم. كذلك يجب معالجة العديد من النفقات في الموازنة العامة، بعد معالجة جزئية للواردات التي حصلت في عام 2017. النفقات تشكو من ضبط عجز وفساد، وأؤكّد أن مكافحة الفساد ضرورية إلاّ أنّ الموضوع بحاجة إلى إجراءات بنيوية لتوجيه الإنفاق إلى الأمور المجدية بدل إنفاق "الترضية" غير المجدي، ويتطلّب ذلك سياسات قطاعية واضحة. أما السياسة التي تكون عبارة عن ردّ فعل فهي تستهلك الكثير من المال العام على أمور لا تعطي نتيجة بشكل وافٍ وسريع. ومن ناحية المديونية، حين يزيد العجز نكون أمام ارتفاع للمديونية. ولكن الارتفاع ما زال مضبوطاً، وإن كان هناك زيادة في نسبة الدين إلى الناتج، وهو مضبوط ضمن هامش السيطرة بنسبة 2 في المئة.في الوقت الحاضر، التمويل للأمور الأساسية موجود ومتوفر على الأقل حتى أواسط عام 2019، وهذا أمر جيد جداً، ونستطيع حتى نهاية الـ2018 أن نكوّن أموالاً للاستحقاقات المقبلة. والمرة الأولى التي وضعنا فيها استراتيجية للدين العام كانت عام 2013، ونحن اليوم في أواخر الاستراتيجية الثانية التي تسمح بتخفيض كلفته. وفي آخر إصدارات للدولة اللبنانية أخذنا فوائد أقلّ بكثير من الدول التي تأخذ بنفس النسب، وأصدرنا إصدارات على مدة 15 عاماً. تجدر الإشارة إلى أن السوق اختلف الآن عن السابق، منذ عام إلى اليوم، وارتفعت الفوائد، وحصلت تقلبات في سعر "اليوروبوند". ومؤخراً، حصل ارتفاع جديد في سعر "اليوروبوند"، وهذا دليل على أن التقلبات القوية التي حصلت جاءت من حجم عمليات محدود، ويمكن السيطرة عليها بشكل سريع.
هل لدى الوزارة أي تصوّر لمعالجة أزمة الكهرباء؟
تتخطّى أزمة الكهرباء الوزارة بكثير، وفي المالية لدينا اهتمام بهذا الملف نظراً لحجم إنفاقه الكبير وتأثيره على المواطن وقدرته الشرائية والقطاعات المنتجة. وبقدر ما نستطيع معالجة هذه المشكلة بسرعة بقدر ما يستطيع الاقتصاد الانطلاق بسرعة أكبر. المهمّ اليوم أن يكون الاستثمار بالتكلفة اللازمة وبمردود مرتفع. هنالك ضرورة في البداية لإيجاد الاستثمارات وتخفيف الخسارة في نقل الكهرباء وتوزيعها، وضبط كل ما له علاقة بحوكمة القطاع، وهذا يجب أن يحصل بأفضل الطرق الممكنة. منذ فترة، دخلنا ضمن إجراءات عديدة، أما في ما خصّ النقل الخاص بالطاقة، فقد بدأ لبنان بإجراءات النقل في ملف الكهرباء ونأمل في أن تبدأ النتائج بالظهور تباعاً، بالرغم من أن الموضوع في العمق هو لدى السلطة التنفيذية.
ما هو رأيك في وضع الضمان الاجتماعي، وهل من رؤية واضحة لحلّ مشكلة التغطية الصحية للبنانيين؟
لدى الضمان الاجتماعي معاناة، لكن لديه قدرات كبيرة ليتخطاها، وفيه 3 صناديق، منها صندوقان يخسران. وهناك قضية أخرى متعلقة بتمويل الضمان، وهي على 3 مستويات: الأول هو صندوق المرض والأمومة، والدولة عليها تغطية 25 في المئة من تكلفته. وهذه التغطية لم تحصل منذ مدّة، والضمان يحوّل الأموال من صندوق إلى صندوق لتغطية العجز. أما في الموازنة التي صدرت، فهنالك جدولة للأموال التي على الدولة دفعها. ومن المفترض أن يبدأ تنفيذ هذه الأمور في خلال فترة وجيزة، فتدخل الأمور في إطارها الصحيح. إن تجربة الضمان الاختياري كانت مؤلمة، بسبب الوعود التي أعطيت للناس، ولم تكن على قدر التطلّعات.
ما هو رأيك في قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القاضي بتحديد رزم تحفيزية لقروض الإسكان في عام 2019، وكيف سيخدم الوضعين الاقتصادي والتجاري؟
إن الرزم التي قدّمها مصرف لبنان إيجابية جداً، وأثرت بشكل إيجابي في الوضع الاقتصادي، وحسنّت وضع النمو أيضاً. وبالطبع، يبقى على الدولة اللبنانية القيام بالعمل البنيوي الذي يجب أن تقوم به. وفي ما يخصّ القروض الإسكانية وما أعلن عنه مصرف لبنان، فإنّه يسمح للمصارف والاقتصاد بأن يحلّ الأزمة، ويسمح للناس في الوصول إلى سوق الإسكان بشكل مريح في ظل ارتفاع الفوائد وانعدام القدرة على الاستئجار. والناس التي تلجأ للاستئجار لا قدرة لها كي تسكن.
ما هي المشاريع التي سيتمّ تنفيذها بفضل مؤتمر "سيدر" بعد التصديق عليها في المجلس النيابي؟
الاتفاقيات التي ذكرت هي عبارة عن قرض من البنك الدولي حول الطرق وآخر حول القطاع الصحي، وقد حصلنا عليهما عبر مبادرة من البنك الدولي والبنك الإسلامي GCFF.وهذه القروض جيدة لأنها تسمح للبنان بأن يستدين بفوائد لا تتخطى الـ1.2 و1.3 في المئة لأنّ هذه العملية يستفيد منها النازح الموجود في بلادنا. والبنك الدولي طلب استعمال الأموال الموجودة في مجلس النواب قبل تحويل أموال جديدة. ونحن تجنّبنا، عبر التشريعات التي أقرّت، الملاحظاتِ الرسميةَ من المانحين بعد دعم الفوائد وعدم الاستفادة من القروض. إن التهيئة لمتابعة مؤتمر "سيدر" في الوقت الحاضر تقتضي أن نأخذ ما لدينا من مساعدات، وما تبقى من العمل للمؤتمر ينتظر الحكومة والإجراءات المتفق عليها، ومنها خفض العجز إلى نسبة 1 في المئة، وبعض الإجراءات الأخرى الأخف وطأة. وإذا لم تتشكل الحكومة فمن الصعب إيجاد استثمارات كبيرة في البلد عبر المال العام. وبالتالي، العملية بانتظار تشكيل الحكومة لانطلاق العجلة، وأي مشروع يُطرح حالياً يُحال إلى مجلس الوزراء، وبعدها إلى مجلس النواب للموافقة على الاقتراض، وفي الوقت الحاضر هناك فسحة للانتظار.
ما هي البنود الجزائية التي وضعتها الدول المانحة إذا تأخّر لبنان في تنفيذ هذه المشاريع؟
إن البنود الجزائية من الدول المانحة تتمثل بعدم الاستمرار في البرنامج المقدّم للبنان، ولا يوجد أي تكلفة له في ذلك. ونحن اليوم ما نزال في فترة التعهد من الدول المانحة. وإذا لم ترَ هذه الدول أن ظروف البلد مؤاتية فلن يتحقق تعهّدها الذي قطعته خلال المؤتمر، ولن يتمّ لاحقاً تحويل الأموال إلى لبنان.
برأيك، هل ستحقق الحكومة الجديدة إذا تشكّلت نتائج إيجابية، وفي أيّ قطاع؟
لا يستطيع أحد أن يتكهّن بما ستحققه الحكومة، لكن عليها أن تحقق إنجازات، لأنّ الحالة التراكمية مزعجة للمواطن والاقتصاد، وهناك إجراءات يجب أن تتخذ بشكل سريع، علمي ومنطقي، لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، لأنه إذا لم ننتج فلن نستطيع تعديل العجز المتراكم في الحساب الجاري، وسيبقى ميزان المدفوعات سلبياً نوعاً ما، ممّا سينعكس على عجز الموازنة. إن العناوين معروفة للإجراءات، وهو عمل جدي على إنفاق الدولة، وعلى حجم بعض القطاعات في القطاع العام، كالقطاع التربوي وبعض الأسلاك العسكرية، إذ لا يمكن توظيف الآلاف سنوياً. وما يجب القيام به في الحكومة المقبلة هو البنى التحتية، لا أن يستمرّ وضع ملفي الكهرباء والنفايات على ما هو عليه، إذ لم يبقَ بلدٌ في العالم لم يجد حلاً لملف النفايات. ندعو للبحث عن تجارب بلدان استطاعت حلّ أزمة النفايات كسنغافورة مثلاً، ومساحتها أصغر من مساحة بلدنا. فمشكلة النفايات ليست مستعصية. وهناك شق آخر لأزمة النفايات لدى الناس، لأنّ 60 إلى 65 في المئة من النفايات هي من المواد الغذائية، ومن الصعب إعادة تدويرها. لذلك يجب التفكير مليّاً في حلول جدية لمعالجتها، ويجب أن نبدأ بها فوراً، والحلول على المدى الطويل موجودة في العالم أجمع.
ما هي القطاعات التي يجب أن تتحجّم؟
بالنسبة إلى الإدارات العامة فهي تملك 10 آلاف موظف. وإذا سبق أن تفاقم عدد الأشخاص في داخل الإدارة العامة، فيجب أن يُحجّم، خصوصاً في عدد من القطاعات. تعاني إدارات الدولة من الهدر، خصوصاً حين يكلف مشروع معيّن ما يقارب مليونين أو 3 بدلاً من مليون، أو في مشاريع التلزيمات ذات المستويات والأشكال المختلفة، ويمكن أن يكون السعر أفضل بقليل أو كثير من السعر القائم.
تعليقات الزوار