تعني الديمقراطية حكم وقيادة الشعب نفسه بنفسه. وتُعدّ المجالس النيابية الأداة الرئيسية لتطبيق الديمقراطية، فهي قُمرة القيادة الشعبية، وما النواب إلا قادة وممثلين للشعب الذي يعاني الأمرين في بلدان العالم الثالث. ولكن ماذا يحصل إذا قاد أعمى أعمى آخر؟ أليس مصير الاثنين الوقوع في الحفرة إن لم يكن السقوط في الهاوية؟ وماذا يحصل إن تُرِكت دفّة القيادة لشخصجاهل وفاشل ليؤدّي دور القبطان؟ ألا تغرق السفينة في أقرب دوامة؟
وهل تسمح أيها الناخب لثملٍ سكران بأن يقود سيارتك.. أو أن يطلب منك قيادتها؟
صديقي القارئ نحن على أبواب انتخابات نيابية، حيث يجدر بالمرشحين أن يكونوا أكفّاء، ويجدر بالناخبين أن يكونوا واعين.يؤلمنا أن هناك من يرى المجالس النيابية دوراً لعرض الأزياء، أو سهرة فنية يصافح فيها المرشحون النجومية، أو هنالك من يراها مكاناً لغسل الأموال أو عقد الصفقات أو خدمة المصالح الشخصية أو مهمّة مسلية حيث لا يملكون برامج واعية ولا يملكون الكفاءة وشروط المهمّة.
لا نريد لمجالسنا النيابية أن تكون مكاناً لهؤلاء، بل نريد أن نبحث عن الوطنيين الشرفاء والمفكرين والممثلين الأذكياء والأكفّاء ممّن نطلب فيهم الأخلاق والعلم والثقافة وإتقان اللغات والرأي الحرّ وشروط التمثيل والقيادة كلها، ونأمل في أن يكونوا فعلاً جسوراً لنقلة نوعية في المجتمع إلى الأمام وليس إلى الخلف.
في الأمس كانت القراءة والكتابة وسنّ الأهلية من شروط الترشح، لكننا اليوم بتنا بحاجة أكثر لشروطٍ أقسى مع معايير دقيقة للأخلاق، الوطنية والثقافة، فالإناء ينضح بما فيه، ولا نرضى لجاهل أو لعاهرٍ أو لسيء سمعة أن يدنّس مجلس النواب، فهو حرمٌ له قدسيته ولدخوله شروط معينة. فهل يمكن للبنانيين أن ينتظروا مجلساً مميّزاً بتشريعه ورقابته ومحاسبته الدقيقة للسلطة التنفيذية، بناء على القاعدة الدستورية التي تفرض الفصل بين السلطات، وذلك بدل الاستمرار في ممارسة دور المتواطئ؟ ربما يكون الأمل ضعيفاً في ظلّ هيمنة رؤوس الأموال على تشكيل اللوائح، وفي ظلّ التحالفات التي أفرغت الاستحقاق الانتخابي من مضمونه السياسي الجدّيّ، واقتصار الحملات على الشعارات التي تستعيد أجواء الحرب والتشنج والتقوقع، ولا هدف لها إلاّ شدّ الأعصاب المذهبية والحزبية قبل يوم الاستحقاق، وقبل أن تتموضع أعمدة السلطة بعد السادس من أيار ليقتسموا النفوذ والمغانم!
تعليقات الزوار