تمثل السجون المكان الذي تنفّذ فيه العقوبة الصادرة عن المحاكم لمعاقبة مرتكبي الجرائم بوضعهم في مكان منفصل عن المجتمع تحت حراسة أمنية مشدّدة كونهم يشكّلون خطراً على الآخرين. لكن،في الوقت عينه، يجب الإستفادة من فترة السجن خصوصاً من ناحية إصلاح السجناء وتغيير قيمهم ووجهة نظرهم وتعليمهم مهنة وتأهيلهم ليكونوا مواطنين صالحين ويتمّ دمجهم بسهولة في المجتمع بعد إنتهاء مدّة محكوميتهم. تطبّق الدول المتحضّرة هذا النظام حيث شرعت في بناء سجون نموذجية أقرب إلى فندق "خمس نجوم"، إذ تأخذ تصاميمها الداخلية بعين الاعتبار المعايير البيئية، الصحية، الخدماتية والنفسية، وتتضمّن غرفها العديد من الأنشطة الترفيهية والرياضية إلى جانب اعتماد برامج تعليمية لتطوير مهارات السجناء. ومن الأمثلة على ذلك، سجون الدنمارك التي تتمتّعبمميزات عدّة جعلتها تصنّف كواحدة من أفخم السجون حول العالم وأكثرها إنسانية، فالسجن عبارة عن غرف مقسّمة ومجهّزة بسرير وتلفاز وثلاجة وغيرها من الاحتياجات الضرورية، ونظامها الداخلي يحتّم على أن يعمل السجناء في السجن لمدة 8 ساعات يومياً مقابل المال. أما بالنسبة إلى البرامج الترفيهية فهنالك مكتبة وصالة ألعاب وبلياردو ليلعب السجين مع أولاده أثناء مدّة الزيارة. كذلك الأمر في سجون النرويج حيث يقع سجن "باستوي" في خليج أوسلو ويضمّ أدواتاً ترفيهية مثل: التنس، ركوب الخيل، الصيد، حمّامات الشمس، أكواخ جميلة، ومزارع خصبة للعمل. أما في مركز ليوبين - النمسا فتتوفّر لكل سجين حجرة منفردة مزوّدة بحمّام ومطبخ صغير وتلفاز، وهنالك أيضاً صالة رياضية تتضمّن جميع الألعاب، وملعب لكرة السلة ومساحة ترفيهية في الهواء الطلق. كما وتضمّ السجون في ألمانيا حجرات واسعة وأسرّة ومرحاضاً وغسالات وقاعة مؤتمرات وغرفة للترفيه. وتتألف السجون في السويد أيضاً من حجرات خاصة وأسرّة مريحة ومراحيض، ويتمتّع السجناء بوجود صالة رياضية ومطبخ مفتوح للاستخدام وغرفة للأعمال الترفيهية مزودة بتلفاز وأريكة. نجحت الدول الأوروبية في اتباعها لهذا الأسلوب المتحضّر في تحويل السجون لأماكن قابلة للعيش، فسعت إلى وضع السجناء في ظروف إنسانية تساعدهم على بدء حياة جيدة بعد خروجهم من السجن. لكن، كيف هي حال السجون اللبنانية والسجناء اليوم؟
السجون اللبنانية كارثة إجتماعية ووصمة عار في مجال حقوق الإنسان
يكاد لا يمرّ يوم دون أن نسمع أنّ عصياناً أو إشكالاً قد حصل في أحد السجون اللبنانية التي لا تزال في حالة يرثى لها، فهي تتأرجح بين السيئ والسيئ جداً واللإنساني كونها تفتقر إلى أدنى معايير السلامة والنظافةوتعاني من غياب شبه مطلق لوظيفة التأهيل والإصلاح،بالإضافة إلى رداءة الطعام، مشكلة الطبابة والكهرباء والمياه والنظافة،غياب المنشآت الترفيهية والصحية،نقص في التجهيزات الضرورية، الاكتظاظ وضيق مساحة السجون حيث تفوق أعداد السجناء قدرة السجون على استيعابهم، إلى جانب عدم مراعاة قانون فصل المجرمين وتصنيفهم إذ يتم جمع المحكوم بجرم تعاطي المخدرات مع القاتل والمغتصب مع السارق، فضلاً عن الفساد والمحسوبيات داخل السجون فهناك سجين "بسمنة" وآخر "بزيت"، ومنافع شخصية لمديري السجون لقاء تقديم بعض الخدمات للسجناء. عند ذكر هذه المآسي والانتهاكات القانونية تتّجه الأنظار مباشرةً إلى سجن رومية الذي تحصل فيه "عجائب وغرائب" وترسم حوله ألف علامة استفهام في ظلّ لامبالاة القيّمين على أمر السجون والسجناء في لبنان. يتألف سجن رومية من أربعة مبانٍ: أ، ب، س، و د، وهو مشرّع بالكامل لحصول انتهاكات عدّة حيث تدخل المخدرات بكميات هائلة إلى المساجين بلا حسيب ولا رقيب، كذلك الهواتف الخلوية التي يتمّ بيعها في الداخل بأسعارٍ خيالية، إلى جانب الفضائح والمخالفات والتجاوزات غير الإنسانية.
3000 سجين وطبيب واحد
إذا أردنا الحديث عن وضع السجين في "الزنزانة" فحدّث ولا حرج، فلكل ثلاثة آلاف سجين طبيب واحد، ويتمّ قطع المياه كأسلوب لتهديد السجناء، وتقدّم وجبات الطعام دون مراعاة الشروط الصحية، ناهيك عن سوء المعاملة والانتهاكات المستمرّة لحقوق الإنسان وتعرّض السجناء للضرب والإهانات. هذه الأسباب مجتمعةً تؤدّي حكماً إلى كثرة أعمال التمرّد والشغب وحالات الفوضى وتفشّي الأمراض الخطيرة والمعدية وغيرها من المشاكل الصحية والنفسية. لكن، أين سعي الدولة الجديّ لمعالجة مسألة السجون التي تعتبر قضية إنسانية بحتة؟ إنّ وضع السجون لم يعد يحتمل التأجيل،فلا بدّ من وضع خطّة لتنظيم السجون تبدأ بالتصنيف حسب وضع السجناء الصحي والنفسي والعقوبة الجرمية والعمر، وتُلزم مسؤولي إدارة السجون بالخضوع للتدريب المهني على كيفية التعامل مع السجناء، وتفرض إيجاد سجون وأماكن توقيف جديدة قادرة على استيعاب العدد الكافي من المحكومين على أن تتبع المعايير البيئية. وتُحتّم على المسؤولين مراقبة بيئة السجون وتجهيزاتها بما يراعي حقوق الإنسان لتغيير الصورة النمطية للسجن إلى مركز إصلاحي وتأهيلي لتأهيل السجين عبر الوسائل العلمية الحديثة والمتاحة لإعادة دمجه في المجتمع فيصبح فرداً صالحاً منسجماً مع متطلبات المواطنة وفقاً للقانون. ولأنّها قضية إنسانية، على الجمعيات والمجتمع المدني أن يشاركا في مبادرات ترمي إلى تحسين وضع السجناء مثل مشروع إعادة التأهيل النفسي وغيره.
تعليقات الزوار