مسيرة الجيش اللبناني لم تكن منذ بداياتها الأولى إلاّ تعبيراً صارخاً عن إرادة الشعب، وتجسيداً لطموحاته وأحلامه في التحرير من الظلم والإحتلال، والعبور بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمن والسلام، ولقد كانت ولادة الجيش بالنسبة للبنانيين مواكبة لآمالهم في التحرّر والنهوض، وخشبة الخلاص والضامن للسلم الأهلي حيث وعى الضبّاط الأوائل خصوصيّة المجتمع اللبناني بنموذجه الفريد في العالم والذي بلا شك يتطلّب بذل المزيد من التضحيات والجهود الاستثنائية، والسعي للحفاظ على وحدة لبنان ومنعه من الإنزلاق الى الفتن الداخلية.
أطلّ عيد الجيش هذا العام وقد تضاعفت مهمّات المؤسسة العسكرية في كلّ بقاع الوطن لتشمل حدوده، هذا الوطن الذي قدّر له أن يواجه المزيد من الأخطار والتحديات، بفعل رسالته الحضارية ورسوخ قيمه الإنسانية.
يحزّ في نفوسنا هذا العام، أن تغيب أجواء البهجة والفرح والاحتفالات بالعيد التاسع والستين لتأسيس الجيش اللبناني، في ظل الواقع المؤلم، والتضحيات الجسام التي يقدمها ضباط وجنود جيشنا المعطاء على مذبح الوفاء، دفاعاً عن الوطن وحفاظاً على أمن كل مواطن.
إن مبادئ الشرف والتضحية والوفاء ليست شعاراً توّجه الجيش فحسب، بل باتت مدرسة أرست قواعدها الدماء الطاهرة التى يضخّها أفراده فداءً للوطن منذ إنطلاقة التشكيل النظامي الأول للمؤسسة العسكرية. وجاء إطلاق وثيقة "حماية الاعتدال" في الاحتفال الرمزي لهذا العام، بمثابة تأكيد على أن الاعتدال هو درع الحماية في مواجهة رياح التطرّف، وهو الإطار الأشمل والأسلم لاستيعاب التنوّع الثقافي والتعدًد السياسي، وصهره في بوتقة وطنية جامعة، تجسّد ألوان الطيف اللبناني مراعية بكل دقة التوازن بين أبناء الوطن الواحد.
إنّ هذه المناسبة ليست مناسبة عادية تمـرّ في ذاكـرة اللبنانيين بقدر ما هي تحـية وفاء للجيش الوطني الذي كان لتضحياته ولمقاومته الباسلة، الفضل الأساس في توحيد الوطن و تحرير شعبه.
وخاصة في هذه الظروف التي يعيشها لبنان مؤخراً حيث لم يكن لمهمات الجيش أن تنجح وتنتهي إلى نصرٍ وفوز، لولا تضحياترجال يقدّمون الذات بذلاً وعطاء على مذبح الوطن، ليرتفعوا إلى دنيا الخلود شهداء أبراراً، شهداء يتوزّعون على صفحات السجلّ الذهبيّ كما تتوزّع النجوم في سماء لبنان، هم في قلب المؤسسات العسكرية التي جعلت منهم أبطالاً لا تلين سواعدهم ولا تهون لهم إرادة.
وبهذه المناسبة المميزة وفي ظلّ الظروف السياسية والأمنية الدقيقة التي يمرّ بها لبنان وفي ظل التطوّرات لبعض البلدان العربية، وقف الشعب اللبناني وقفة واحدة الى جانب جيشه ليؤكّد حبّه ودعمه له للضرب بيد من حديد كل من يريد أن يمسّ أمن وإستقرار لبنان.
رئيسة التحرير
رانيا ميال
تعليقات الزوار