لا تزال قضية الإيجارات، وللأسف الشديد، تتفاعل يوماً بعد يوم، وتزداد تعقيداً، في ظلّ قانون يسوده الغموض وبعض التعقيدات من الناحية الحسابية. فمنذ صدور القانون الجديد للإيجارات، في صيغته الأولى، مطلع العام 2015، لا يزال الجدل يتفاعل ويتفاقم بين رجال القانون، من محامين وقضاة، حول قابلية القانون للنفاذ والتطبيق العملي، في ظلّ الطعون المتتالية والمتكرّرة التي قدمت في مناسبة أو في أخرى، وفي ظل الأحكام القضائيةالتي صدرت في هذا الشأن. قضية الإيجارات في لبنان، أمست، مع مرور السنوات، قضية اجتماعية واقتصادية بل أمنية من الدرجة الأولى، وقضية تهمّ كل مواطن في حياته اليومية. إن قضية الإيجارات قضية اجتماعية لأنّ الإنسان قد يكون مالكاً أو مستأجراً، والسكن من أولويات المواطن التي على المرء تدبيرها وتخطّيها وتأمينها، إذ إن السكن يحتلّ المرتبة الثانية مباشرةً بعد المأكل والملبس والطبابة في الحياة البشرية. وإن قضية الإيجارات أمست، في ظل القانون الجديد للإيجارات، الصادر والنافذ بدءاً من مطلع العام 2015، قضية اقتصادية، بموازاة كونها قضية اجتماعية، بما أنّ القانون الجديد أتى بأحكام قانونية فريدة وجديدة من نوعها. فالمشرّع قضى بإنشاء ما يُسمّى بـ "الصندوق" لمساعدة تلك الفئة من المستأجرين التي ليس بمقدورها تسديد الزيادات القانونية للمالك، عن طريق وضع آلية حسابية تكون أكثر سهولة ووضوحاً من تلك المعمول بها حالياً، والتي نصّ عليها القانون الجديد. وهنا نقصد حالات التصادم والصدام المباشرين، بين المالك والمستأجر، بخاصة في المناطق والأحياء الأكثر شعبية، حيث البيئة متخلفة، فيتولّد الصدام جرّاء ظروف معيشية واقعيّة معيّنة، قد تساعد، وربما قد تكون حافزاً مباشراً لخلق أجواء الفوضى وعدم الخضوع للقوانين، بخاصة في مجال قوانين الإيجارات، حيث في المناطق الأكثر فقراً وشعبية، ينمو ويتنامى، يوماً بعد يوم، وأكثر فأكثر، الشعور بوجوب إعطاء الأولوية للسكن ولتأمين المنزل، حتى قبل تأمين أمور الحياة الأخرى الملحة أيضاً، أو ربما الأكثر ضرورة وإلحاحاً. ونحن على أمل أن لا يبقى الجدل مسيطراً على أحكام قضايا الإيجارات. وصحيح أنه قد صدرت أحكام بالعشرات بل بالمئات حول هذا الموضوع، لكن المهم ليس في إصدار حكم معيّن، في قضية معقّدة، مثل قضايا الإيجارات، بل الأهمّ أن يصدر حكم يقضي بالمساواة وبالعدل، غير متضمّن ثغرات أو نواقص، في جانب من الجوانب، في مجال قانوني وواقعي كمجال الإيجارات يعني ويهمّ شريحة كبرى وواسعة من الشعب اللبناني، في ظلّ غموض وعدم وضوح وحتى ظلامة تُصيب المواطنين، بالإضافة إلى بضع ثغرات تضمّنها ولا يزال يتضمّنها القانون الجديد للإيجارات. فللقضاء دور مهمّ جداً في هذا المجال، لا بل الدور الأهم.
المحامي ملحم مارون كرم
تعليقات الزوار