جميعنا يعلم أنّ لكل شيء في هذه الحياة ثمناً، فمقابل التسهيلات التي أوجدتها تكنولوجيا الهاتف الذكي
(أو ما يُعرف بالـ Smartphone) من تقليص للمسافات وتسهيل للتواصل، إلاّ أنّ ثمناً إضافياً من نوعٍ آخر يضاف الى فاتورة هذه التقنيات الباهظة. فبعد ان إجتاح موازنة جيوبنا وجلساتنا العائلية وأعمالنا وحياتنا الخاصة، ها هو الهاتف الذكي يهدّد صحتنا وينذر بأمراض جديدة لم نكن نعرفها قبل دخوله إلى حياتنا. منذ سنين عدة، يتعمّد الأخصّائيون والأطباء قرع ناقوس الخطر للتنبيه من أضرار الهاتف الذكي وشاشات الكمبيوتر واللوحات الرقمية. وعلى الرغم من أنّ الهاتف الذكي أصبح الصديق الدائم الذي يكاد لا يفارق أيدينا، إلاّ أنّه يخفي وراءه عدواً غداراً يفتك بصحتنا. والى جانب الدور الذي تلعبه الذبذبات الصادرة عن الهواتف الذكية في الإصابة بأورام الدماغ، فإنّ للهاتف الذكي أثراً سلبياً مباشراً وسريعاً على صحة المفاصل والعضلات وأعضاء أخرى في الجسم. في هذا السياق وللتعرّف أكثر على ضرر الاستعمال المُفرط له، كان لمجلة "رانيا" لقاء خاص مع أخصّائي أمراض وجراحة العظام والمفاصل الدكتور رشاد زيني. يؤكّد الدكتور زيني أنّ استعمال الأجهزة الذكية، كالهاتف و"الآي باد" والحاسوب، بشكل مفرط يؤدّي الى الإصابة بعوارض مرضية وآلام مهمّة غالباً ما تدعو لإستشارة الطبيب. هذه المشاكل لم تكن شائعة قبل ظهور الهاتف الذكي، حتى إنّ المعجم الطبي الحديث يشهد ظهور مفردات طبية جديدة لم تكن موجودة في السابق وتستعمل حالياً لوصف الآلام الناتجة عن إستعمال هذه الأجهزة الذكية مثل SMS Finger - Smartphone tendinitis-Smartphone neck. ويتابع: إن إستعمال إبهام اليد لكتابة الرسائل النصية القصيرة SMSوما ينتج عنه من حركات غير اعتيادية يسبب ألماً في مفاصل هذه الإصبع ويؤدي الى التهابات في أوتارها وفي أوتار المعصم. هذه المشاكل كنّا نشهدها عادة لدى كبار السن ولكن مع تفشّي استعمال الهاتف الذكي، تظهر هذه الأعراض حاليا في سنّ مُبكرة نسبياً، وأحياناً تحت عمر الـ 20 سنة.
كما يمكن أن يشمل التأثير السلبي لاستعمال الهاتف الذكي أعضاء عديدة أخرى وبخاصة مفاصل الرقبة والظهر. والسبب في ذلك يعود إلى الوضعية الخاطئة التي تتخذها الرقبة حين استخدام الهاتف أو اللوحة الرقمية والتي تجعلها منحنية إلى الأمام ما يؤدّي إلى تشنّجات وآلام مزمنة في الرقبة والأكتاف. إنّ وزن الرأس يتراوح بين 4 و 5 كلغ وفي الوضعية الطبيعية للرأس، أي حينما يكون الرأس والرقبة والظهر على نفس الخط، يكون حينها وزن الرأس موزّعاً بطريقة متساوية على باقي أجزاء العمود الفقري. ولكن لدى استعمال الهاتف أو "الآي باد" فإنّ انحناء الرأس الى الأمام يزيد وزن الرأس المحمول لغاية 4 أو 5 أضعاف وزنه الحقيقي. وهناك دراسة أميركية حديثة برهنت أن التحديق في شاشة الهاتف المحمول لوقت طويل يعادل حمل 27 كلغ على الظهر.
ضحايا أخرى للصديق اللدود
ويضيف الدكتور زيني: ان الإشعاعات الضوئية المنبعثة من شاشات الأجهزة الذكية تؤدّي الى إتعاب النظر وما يرافقه من إرهاق لعضلات وشبكية العين والإحساس بحرارة في العيون، والخطر الأكبر يكون خصوصاً حين يتمّ التحديق بالهاتف قبل الخلود الى النوم في السرير، وكثيرون منّا للأسف يفعلون هذا الشيء دون أن يدركوا مدى خطورته. فلقد ثبت حديثاً أنّ التعرّض لهذا الإشعاع الضوئي قبل النوم مباشرة يؤدّي الى إنخفاض إفراز مادة "الميلاتونين" وهو الهرمون الذي يساهم بتنظيم عملية النوم ما يتسبب بالعديد من مشاكل الأرق والإرهاق المزمن والإكتئاب نظراً لأنّ الجسم لا يحصل على القسط الكافي من الراحة التي من المفروض أن يحصل عليها خلال فترة النوم. وهناك آثار سلبية عديدة أخرى يسببها استعمال الهاتف الذكي، كالتأثير على بشرة الوجه التي تصاب بالتجعدات المبكرة نتيجة التمحيص بالصور والنصوص على الشاشات الصغيرة بالإضافة الى مشاكل السمنة والإكتئاب.
علاقتنا بالهاتف الذكي اصبحت تشبه الإدمان
يشير د. زيني الى أنّ حاجتنا للهاتف في عملنا بالإضافة إلى الرغبة الدائمة بالتواصل عبر البريد الاكتروني وتصفح شبكات التواصل وممارسة الألعاب الاكترونية، كل ذلك يجعل من الصعب جداً التخلي عن هذه العادات والتوقف عن الاستعمال المتواصل للهاتف الذكي. حتى إنّ علماء الطب النفسي وجدوا أنّ الشخص المتعوّد على الإستعمال الدائم لهاتفه سوف يشعر بالوحدة والانعزال والقلق اذا ما تم منعه من إستعمال الهاتف لمدة 24 ساعة، وكل هذه عوارضشبيهة بتلك التي تحصل في حالات الإدمان.
بعض النصائح لتخفيف الضرر
يؤكّد د. زيني أنّه لكي نتجنّب أو على الأقل نخفّف الضرر، يدعو الخبراء الى تخفيض وقت استعمال الهاتف الى أقلّ من 40 دقيقة يومياً ما يعدّ شبه مستحيل في أيامنا هذه، نظراً لحاجتنا الى الهاتف في العديد من الأمور اليومية. وينصح الدكتور زيني بأخذ الحذر أثناء استعمال الهاتف واتخاذ الوضعية الملائمة مع تجنّب حني الرأس والرقبة إلى الأمام والجلوس بطريقة مستقيمة. كما ينصح بتخصيص فترات مستقطعة للنظر الى البعيد لإراحة عضلات العين بالإضافة الى إجراء التمارين العضلية المهمة لتمديد وترييح عضلات الرقبة والكتفين والظهر MuscleStretchingلتجنّب مشاكل التشنجات العضلية وما ينتج عنها من آلام مزمنة.
ناديا الحلاق
تعليقات الزوار