سويسرا مستعدّة لمشاركة تجربتها في إعادة تدوير النفايات مع لبنان
تسعى سويسرا إلى تعزيز علاقاتها مع لبنان، وهي ناشطة في المشهد الثقافي اللبناني، ولديها استراتيجية تعاون موسّعة للبلد، تشمل إعادة التأهيل التعليمي وحقوق الإنسان وحرية التعبير وإدارة المياه. وتعمل سفيرة سويسرا في لبنان مونيكا شموتس كيرغوز على بلورة رؤى وخطط دولة سويسرا في لبنان، استناداً إلى خبرتها الطويلة والحافلة في العمل الدبلوماسي، إذ عملت كدبلوماسيةفي الاتحاد الكونفدرالي السويسري لمدة 23 عاماً، وهي اليوم تتولى منصبها الأول كسفيرة في لبنان. وخلال مقابلة مع مجلة "رانيا"، شرحت سعادةالسفيرةالروابط التقليدية بين سويسرا ولبنان، ومشاركة المرأة في السياسة اللبنانية، إضافةً إلى التطورات الأخيرة التي تشهدها البلاد والمنطقة، فكان الحوار التالي:
بدايةً، أخبرينا عن مسيرتك المهنية وكيف تصفين تجربتك في لبنان حتى الآن؟
لديّ مسيرة مهنية مشرّفة في العمل الدبلوماسي منذ 23 عاماً في الاتحاد السويسري، وكنتُ قد توليت منصب قنصل عام في تركيا لمدة 6 سنوات، واليوم أشغل منصب سفيرة في لبنان. إن تجربتي الأولى في هذا البلد حافلة جداً على المستويين الشخصي والمهني، وبالرغم من أنّ لبنان دولة صغيرة مثل سويسرا، ولكنّه يملك الكثير ليقدّمه ثقافياً وتاريخياً. وقد خضتُ تجربة فريدة في العيش والعمل، ولم أشعر بالملل إطلاقاً، لذلك أصف لبنان بأنه "بلد مصغّر في الشرق الأوسط"، ما يعني أن لديه الكثير من الجوانب المميزة على الأصعدة كافة في المنطقة وعلى مساحة صغيرة، التي تشمل بالطبع مجال الطهي في الشرق الأوسط، خصوصاً وأنني ذواقة من الدرجة الأولى في فن الطهي، لذلك أعتبر أن المطبخ اللبناني دخل قلوب الكثير من مختلف الجنسيات حول العالم منهم السويسريون.
كيف تقيّمين تجربة العمل الدبلوماسي خصوصاً وأنّ لبنان متعدّد الطوائف والإنتماءات السياسية؟
إن تجربة العمل في لبنان غنية جداً بسبب شرائح المجتمع المتنوعة ثقافياً، والتي لديها العديد من القواسم المشتركة. هذا الأمر ينطبق أيضاً على سويسرا، فهي تشبه لبنان كثيراً في هذا الصدد، إذ أن دولتنا متعدّدة الثقافات والحضارات، وتضمّ أربعة مجتمعات مختلفة لغوياً يتعايشون على مساحة صغيرة. كما ويتّسم تاريخ سويسرا بالصراع الديني، خصوصاً في الحرب الأهلية السويسرية عام 1848 والتي تُدعى حرب Sonderbund بين المقاطعات الكاثوليكية والبروتستانتية. وعلى غرار الحكومة في لبنان، تمّ تشكيل الحكومة السويسرية تقليدياً بواسطة "تحالف كبير" من الأحزاب السياسية المتنوعة. لذلك، أعتقد أن سويسرا ولبنان يمكنهما أن يفتخرا بمجتمعاتهما المتنوعة والمتعدّدة الأوجه، خصوصاً وأن لبنان يمتلك البرلمان الوحيد في العالم الذي تجتمع فيه مذاهب وطوائف مختلفة (السنّية، الشيعية والمسيحية) وممثلو الديانات كافة على طاولة واحدة ويناقشون معاً شؤون البلاد.
هل تسعون إلى توطيد العلاقات اللبنانية - السويسرية، وما هي المشاريع المشتركة بين البلدين؟
حافظ كلا البلدين سويسرا ولبنان على علاقات تقليدية متينة، ونحن بدورنا نسعى باستمرار إلى تعزيز علاقاتنا مع الجانب اللبناني، والتي تُرجمت مؤخراً في زيارة رئيسنا السيد آلان بيرسيت في شهر آب عام 2018. أما بالنسبة إلى المشاريع، فتتميز سويسرا بنشاطها الملحوظ في لبنان لا سيما في المجال الثقافي، ويقول البعض من زملائي اللبنانيين والأجانب إننا "مفرطون بالنشاط الثقافي"!، لكن ذلك لا يلغي حقيقة وجود استراتيجية تعاون شاملة في لبنان تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار أميركي سنوياً. وتتضمن هذه الإستراتيجية مشاريع عدّة أهمّها: إعادة تأهيل المدارس وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير وإدارة المياه في منطقة البقاع.
هل من اتفاقيات جديدة لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين؟
يتمتع لبنان وسويسرا بعلاقات إقتصادية جيدة، ووفقاً لإحصاءاتنا يُعتبر لبنان سادس أهم شريك تجاري لسويسرا في المنطقة، ومعظم تجارتنا الثنائية تتمحور حول المجوهرات والأدوية والمنتجات الزراعية. لكن حالياً ليس هنالك أي اتفاقيات تجارية جديدة قيد التوقيع، لكننا نعمل على تنفيذ واحترام الاتفاقيات المبرمة في السابق، مثل إتفاقية التجارة الحرّة بين لبنان والدول الأوروبية.
نجحت سويسرا في تجربة إعادة تدوير النفايات، كيف يمكن نقل هذه التجربة إلى لبنان؟ وهل هناك من مساع بهذا الخصوص مع الدولة اللبنانية؟
إننا بالفعل روّاد العالم في إعادة تدوير النفايات، لذلك نفتخر بمكانتنا المرموقة كوننا مثالاً يحتذى به في هذه المسألة التي تعدّ جزءاً أساسياً من سياسة البيئة المستدامة في بلدنا. وبالنظر إلى التجربة السويسرية، ندرك تماماً أن إعادة التدوير الفعّالة للنفايات تبدأ من الفرد، لذا من المهم جداً نشر التوعية عن أهمية الفرز من المصدر، وسويسرا على استعداد تام لمشاركة تجربتها وخبرتها الطويلة مع البلدان كافة.
إلتقيتم مؤخراً بالوزيرة ريا الحسن ونوّهتم بدورها واستلامها لمهام وزارة الداخلية، ما هي الأمور التي تمّ البحث فيها؟
إنه لشرف كبير لي أن ألتقي الوزيرة ريّا الحسن، وكنت قد نوّهت سابقاً بكونها أول امرأة عربية تتسلم مهام وزارة الداخلية، وهذا دليل قوي على تمكين المرأة وتفعيل دورها في السياسة اللبنانية. وخلال الزيارة، تباحثنا سوياً في مواضيع مختلفة، بما في ذلك تمثيل المرأة في الحكومة اللبنانية، وأتيحت لي الفرصة أيضاً مناقشة الوضع في السجون اللبنانية، حيث تعتبر مسألة إحترام حقوق الإنسان في السجون أولوية بالنسبة لسفارتي وكنت قد زرتُ مؤخراً أماكن الاحتجاز، لذلك يجري حالياً التعاون مع الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية وغير الحكومية بشكل جيد في هذا الشأن. وفي المقابل، نعمل على معالجة مسألة تعرّض القطاعين القضائي والأمني في لبنان للضغوطات السياسية وحاجتهما الماسّة إلى سلسلة إجراءات وتدابير إصلاحية.
المساواة بين الرجل والمرأة قصة نضال طويلة خصوصاً في لبنان، برأيك هل وجود تمثيل للمرأة اللبنانية في الحكومة الجديدة كسر حاجز العقلية الذكورية السائدة في مجتمعنا؟
تعقيباً على نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة الأخيرة ، شهدنا مضاعفة لتمثيل المرأة بتولّيها أربع وزارات مهمّة، وهذه الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومة بحقّ المرأة مشجّعة بالفعل، لكن لا يزال الطريق طويلاً لتحقيق تمثيل قوي يوازي بين الجنسين. ومع ذلك، لا زلتُ متفائلة جداً بمستقبل تمثيل المرأة العربية، ففي سويسرا حصلت المرأة على حق التصويت وشاركت في الانتخابات الفيدرالية في العام 1971، واليوم أصبح لدينا ثلاث وزيرات من أصل سبعة وزراء حاليين في المجلس، وهذا دليل واضح على تبدّل الأمور وتغيّرها رأساً على عقب خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً.
كيف تقيّمين التطورات السياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي؟
أرى أن التطورات السياسية تتم بمزيج من التفاؤل والحذر والقلق، فمن جهة، شهدنا بعض التطورات الإيجابية على مستوى السياسة اللبنانية فيما يتعلق بكسر حاجز الجمود السياسي في تشكيل الحكومة وزيادة تمثيل المرأة فيها، والإرادة السياسية لإصلاح قطاع الطاقة الذي نأمل أن تشهده القطاعات العامة كافة . ومن جهة أخرى، هنالك تطورات عدّة تُثير القلق والخوف وتؤثر على أمن البلد لاسيما العلاقة المتوترة مع إسرائيل، والأزمة السورية المستمرّة وهي عامل رئيسي لزعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة بأكملها. تتطلب معالجة هذه الأزمة مقاربة متماسكة وطويلة الأمد، تلبّي احتياجات الفئات الضعيفة من السكان، ليس في سوريا فحسب، بل أيضاً في البلدان المجاورة المتأثرة بها مثل الأردن ولبنان. وهنا أنوّه بالمشاركة السويسرية المستمرة في المنطقة، بما في ذلك لبنان، والتي تعتبر أكبر مشروع إنساني في تاريخها.
"سويسرا الشرق" تسمية أطلقت على لبنان قبل عقود، برأيكم كيف يمكن إعادة لبنان "سويسرا الشرق" مجدداً؟
هنالك بالفعل قواسم مشتركة بين سويسرا ولبنان، لا سيما على صعيد القطاع المصرفي وتنوّع المجتمعات التي تتعايش معاً في رقعة صغيرة، وقلة الموارد الطبيعية التي يتعيّن على البلدين تعويضها عن طريق الابتكار ووضع استراتيجية فاعلة، بالإضافة إلى عامل الجمال الطبيعي والمناظر الخلابة والهواء النقي. ولكن، مع الأسف، تأخّر لبنان عن سويسرا في العقود الأخيرة بهذا الصدد، إلاّ أنه يمكنه أن يستعيد جماله المفقود من خلال الاهتمام بموارده الطبيعية بشكل أفضل، سواء عبر السياسات الحكومية أو العمل على المستوى الفردي، أو من خلال وضع مشروع مسودة لتعديل قانون حماية الطبيعة وهو بمثابة خطوة أولى واعدة في هذا الاتجاه.
تعليقات الزوار