أشارت العديد من الدراسات إلى أن القطاع المصرفي اللبناني اليوم هو في أفضل حالاته منذ سنوات عدّة على الرغم التحديات السياسية والأمنية التي تحيط بنا. كما استطاع هذا القطاع أن يثبت جدارته وصلابته في المنطقة وأن يكسب ثقة كبيرة على المستويين المحلي والعالمي. رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك لبنان والمهجر سعد الأزهري تحدّث عن أولويات المحافظة على الاستقرار النقدي، والآفاق المستقبلية في ظلّ وجود النفط والغاز، ودور المصارف في إعادة إعمار سوريا.
برأيكم، ما هي التحديات التي تواجه الاستقرار النقدي؟
التحديات هي في الأغلب داخلية تنجم عن حالات عدم الاستقرار السياسي، الأمني والركود الاقتصادي وترفع من منسوب المخاطر وعدم اليقين. وعليه، فإنّ من أولويات المحافظة على الاستقرار النقدي تدعيم الاستقرار السياسي والبدء بإصلاحات هيكلية وفاعلة للاقتصاد. وتجدر الإشارة إلى أنه بفضل سياسات مصرف لبنان الحكيمة والتعاون الوثيق مع المصارف، نجح الاقتصاد حتى الآن في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي متمثّلاً بثبات سعر الصرف وبمعدّلات منخفضة للتضخم وبموجودات أجنبية لدى مصرف لبنان تفوق الـ 42 مليار دولار.
يؤكّد الخبراء أنّ %10 من حجم الاقتصاد ينعكس سلباً على المصارف كيف ذلك؟ وهل لدين الدولة دور في ذلك؟
تبلغ نسبة القروض المتعثّرة في القطاع المصرفي %3.5 بينما تبلغ محفظة القروض للقطاع الخاص 58.4 مليار دولار، وهذا يعني أن حجم القروض المتعثّرة يساوي 2 مليار دولار، أي حوالي %3.6 من الناتج المحلي الإجمالي أو حجم الاقتصاد. لذلك، فإنّ النسبة من حجم الاقتصاد التي قد تنعكس سلباً على المصارف هي %3.6 وليس %10. ولكن، لا ننسى أن المصارف قد أخذت مؤونات كافية مقابل هذه القروض المتعثّرة، لذا فإن مركزها المالي جيّد وتلتزم بكلّ المعايير التي وضعها مصرف لبنان. أمّا بالنسبة إلى الدين العام الذي يبلغ حوالي الـ 77 مليار دولار، فإن المصارف تتحمّل ما يقارب الـ %47 منه أي حوالي الـ %18 من إجمالي موجوداتها، ولكن الدولة لم تتخلَّ يوماً عن واجباتها تجاه خدمة الدين، مع العلم أن المصارف تتكبّد بعض الأعباء من خلال الحاجة إلى زيادة رأس مالها نتيجة التصنيف المتدني لسندات اليوروبوند للدولة.
الأرقام المالية والمؤشرات تؤكّد أننا وصلنا إلى حافة الهاوية هل سنسقط فيها، أم يوجد هناك سياسات جديدة توقف هذا الانهيار؟
في الواقع، أنا لست متشائماً إلى هذا الحدّ، وأحبّ دائماً أن أبقى متفائلاً. صحيح أن معدّلات النمو منخفضة والعجز في مالية الحكومة في ارتفاع، ولكن في الوقت نفسه إن موجودات مصرف لبنان وحركة الودائع والنشاط السياحي في تحسّن. ونتطلّع في المستقبل القريب إلى المزيد من الانفراجات تتمثّل في إصلاحات ضمن مالية الحكومة وتطوّرات إيجابية في ملف النفط والغاز والتنفيذ لبنود الخطة الاقتصادية التي تعدّها الحكومة ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
إلى أيّ حدّ أثّر اختفاء السرية المصرفية التي كانت تتمتع بها المصارف على الواقع المصرفي في ظلّ القوانين المالية العالمية التي تتوسّع بصورة دائمة؟
أعتقد أنّ المنظومة المالية العالمية قد تغيّرت في السنوات العشر الأخيرة. وذلك لأسباب أمنية وتنظيمية ووقائية أصبح من الضروري الالتزام بالإجراءات التي تفرضها. وهذا بالطبع ينطبق على لبنان الذي أصبحت السرية المصرفية فيه "سرية مهنية" تسعى إلى التقيّد بالمعايير والقوانين العالمية بهدف الحفاظ على سلامة وسمعة المصارف، كما مصالح العملاء وسلامة ودائعهم واستثماراتهم.
ما هو تأثير ارتفاع الفائدة الأميركية إلى %1.1على الدولار، وكيف ستتعامل بها المصارف اللبنانية؟
إن ارتفاع الفائدة الأميركية من قبل الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى حوالي %1 هذا العام قد أدّى في المدى القصير إلى ارتفاعٍ في قيمة الدولار الأميركي. ولكن ما لبثت أن تراجعت قيمة الدولار مقابل معظم العملات العالمية الرئيسية نتيجة التوقعات بانخفاض النمو في الولايات المتحدة واحتمال عدم قيام الاحتياطي الفدرالي بزيادات مماثلة في سعر الفائدة في المستقبل. أما على صعيد المصارف اللبنانية، فإن ارتفاع أسعار الفوائد الأميركية لم يؤدِّ إلى ارتفاع في أسعار الفوائد اللبنانية، وإن حصل، كان ارتفاعاً ضئيلاً جداً لا يتجاوز الـ 10 نقاط أساس.
كيف تنظرون إلى الآفاق المستقبلية في ظلّ الحديث عن النفط والغاز وعن إعادة إعمار سوريا؟ وما هو دور المصارف في هذا الشأن؟
أعتقد أن الآفاق المستقبلية واعدة جداً وخصوصاً فيما يتعلق بملف النفط والغاز، ويُتوقع في هذا الإطار أن تقدّم الشركات المُنتقاة عروضها بشأن التنقيب. ويمكن للمصارف اللبنانية توفير القروض للاستثمار الرأسمالي ولرأس المال التشغيلي لهذه الشركات والشركات المساندة وحتى مساعدتها في إدارة تسويق إصدارات لسندات وأدوات مالية أخرى. وينسحب الأمر على إعمار سوريا عندما تُحَلّ الأزمة ويعمّ السلام هناك وذلك لما للمصارف اللبنانية من خبرة في الأسواق السورية وللعلاقات الاقتصادية المترابطة التي تجمع البلدين.
تعليقات الزوار