يجب فصل السياسة عن الاقتصاد لبناء علاقات اقتصادية دوليّة
نُطالب الدولة بتأمين متخصّصين حياديين لضمان استمرار العمل
ازداد الاهتمام في الآونة الأخيرة بموضوع استخراج النفط والغاز بعد دخول لبنان مرحلة جديدة في مشواره النفطي، خصوصاً بعد الموافقة على تلزيم ثلاث شركات أجنبية التنقيب في الشمال والجنوب. لذلك، من واجبنا أن نلقي الضوء على أبرز الشركات المحلية وأهمية وجودها في هذه العملية، وسعيها الدائم لتحسين خدماتها في النقل والتوزيع. التقينا رئيس مجلس ادارة شركتي HIF salوsalHodicoبطرس عبيد، الحاصل على شهادة دبلوم في الهندسة المدنية، وعلى شهادة ماجستير في اختصاص الاستكشاف والإنتاج وإدارة البترول والغاز من الجامعة اليسوعية. في بداية مسيرته المهنية عُيّن كمراقب، ليصبح في ما بعد صاحب شركات خاصة. أطلعنا عبيد على أبرز الخدمات التي تقدمها شركتا HIF salوHodico sal حيث أفاد: "تأسّست شركة HIF salفي عام 2008.
أما شركة Hodico salفتأسّست في عام 2001، ولكل شركة اختصاصها. فشركة Hodico salتختص بالمواد السوداء كالإسفلت والفيول التي تباع للقطاع الخاص، أي للمتعهدين لدى وزارة الأشغال العامة والنقل وللصناعيين، والذين يستعملون مادة الفيول "أويل" والإسفلت لأعمالهم إضافة الى مادة المازوت التي تدخل ضمن اختصاصهم، ولديها صهاريجها الخاصة كونها تتعامل مع المتعهدين والمصانع وهي المتعهّد الحصري للنقل لمادتي البنزين والمازوت لشركة HIF sal.
إضافة لامتلاكها معملاً لإنتاج قوارير الغاز المنزلية في الأردن ومعملاً لتعبئة قوارير الغاز في لبنان كما تمتلك شبكة كبيرة من الصهاريج و"البيك آب" لتوزيع الغاز على كافة الأراضي اللبنانية، لديها ايضاً معمل للمستحلبات الإسفلتية. ولديها مركز لكيل الصهاريج في منطقة الجنوب اللبناني.
وتقوم حالياً بالتعاون مع شركة EPIQ sarlبمعالجة التلوث في معمل الزوق الحراري.
أما شركةsal HIFفتختصّ بالمواد البيضاء كالبنزين والديزل ومحطات البنزين، ولهذا السبب تمتلك خزانات خاصة بها كغيرها من الشركات اللبنانية المماثلة، وتحمل شعار شركةsal HIFحوالى 100 محطة على الأراضي اللبنانية، امتداداً من منطقة سن الفيل مروراً بمناطق عديدة كقرى مرجعيون وميس الجبل وصولاً إلى الحدود الجنوبية. وقد نال الجنوب الحصة الأكبر من انتشار محطاتنا لأنّ مركز الشركة الأساسي يقع في هذه المنطقة. أما عن تجربة لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز السائل فأضاف: "إن التطوّر التكنولوجي وخبرات المنقبين عن النفط، فضلاً عن جديّة المسؤولين الذين توصّلوا إلى تحقيق إنجازات هامة ومن بينهم الوزير جبران باسيل والفريق الذي تابع العمل من بعده، سعواجميعاً إلى أن يُسجّل لبنان موقعه ضمن الدول المنتجة للنفط، ولكن علينا الآن أن نرى ونتابع جدية الشركات الأجنبية وعلاقتها مع الدولة لمنع تضارب المصالح الاقتصادية، المالية والسياسية بينهما". وعن سبب التأخّر في اكتشاف النفط في لبنان قال عبيد: "التكنولوجيا في الحفر بالبحر على عمق يبلغ حوالى 2000 متر من سطح البحر وما فوق لم تكن بالأمر المُشاع سابقاً، إذ إنّ عدداً قليلاً من الشركات العالمية كانت تمتلك هذه القدرة على الحفر، ولكن اليوم مع تقدّم التكنولوجيا وخبرات المنقبين عن النفط تم اكتشاف في دلتا النيل صفائح ساهمت في تدفق الغاز إلى غزة ومن ثم إلى لبنان وقبرص، إذ تكوّنت وتجمّعت في البحر خلال المائة عام الماضية، لذلك سبقنا العديد من الدول بأشواط في مرحلة التنقيب ومن بينها إسرائيل، لأنّ أغلبية الشركات الأجنبية عملت بالتنقيب لديها، كما تبيّن أنّ أهم الآبار التي ظهرت حديثاً على الحدود البرية تقع في منطقة عرسال التي لم يُشع خبر وجودها حتى الآن لعدم متابعة الملف من قبل المسؤولين من الناحية التقنية وعدم اعتمادهم على العلم والأبحاث". أما عن العروض المقدّمة من الشركات النفطية فعلّق عبيد: "في ظلّ الوضع السياسي الحذر الذي يسود المنطقة، وبالرغم من صراعنا الدائم مع إسرائيل على الحدود البحرية، البرية، السياسية والأمنية، فضلاً عن الأزمة السورية وتداعياتها العديدة على لبنان، يمكن وصف هذه الخطوة "بالإنجاز الضخم" وتتلخّص بمجيء الشركات النفطية الكبرى المهتمّة بالتنقيب إلى لبنان والتعاقد معه، والفضل يعود إلى إرادة وتصميم السياسيين اللبنانيين الذين لعبوا دوراً مهماً على هذا الصعيد باستقطاب ثلاث شركات دولية هي: "توتال" الفرنسية و"ايني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في رقعتين في مياهه الإقليمية، برغم التوتر مع إسرائيل على خلفية منطقة متنازع عليها". أما بالنسبة لاحتمال عدم وجود نفط أو غاز أثناء عمليات التنقيب، فقد أكّد عبيد أنّ الدراسات النفطية تعمل وفق معادلة 2/10، والمقصود منها بأنّه غالباً ما يتم حفر عشرة آبار ليتم اكتشاف بئرين يحتويان النفط لذلك يتم حفر 10 آبار لمعرفة وجود النفط، وتتحمّل الشركات الأجنبية وحدها الخسائر الناتجة من الحفر والتنقيب، ولكن في المقابل تتحمّل الدولة اللبنانية جزءاً منها عندما تقوم ببيع ناتجها النفطي وتسدّد بالتالي ما يتوجب عليها لهذه الشركات، ثم يتمّ تقاسم الأرباح بينهما بحسب حصّة كل منهما وبناءً على بنود الاتفاقية. أما عن دور الشركات المحلية في موضوع التنقيب فأجاب:"مبدئياً، يوجد في لبنان شركات محلية مختصّة بالتوزيع فقط، أي توزيع الغاز والمازوت كشركة توتال على سبيل المثال. تفتقر شركاتنا المحليّة إلى مركز للأبحاث الخاص بالنفط وإلى مهندسين متخصّصين في قطاع البترول. وقطاع التوزيع الذي يعمل منذ عام 1950 لغاية اليوم هو فريق مختصّ بالتوزيع وغير مؤهّل لاستخراج وإنتاج النفط بل لبيعه وتوزيعه فقط. والجدير بالذكر أنّ استخراج النفط كمواد خام لديه خصائص تختلف عمّا هو مستخدم في الصناعات، ويحتاج إلى متخصّصين، لذلك تولّت الشركات الأجنبية هذه المهمة لامتلاكها الخبرات والمؤهلات الكافية لإدارة هذا القطاع، فضلاً عن المعدات والآلات الحديثة وفريق عمل متخصّص في هذا المجال". وتابع عبيد الحديث عن قدرة لبنان على تأمين يد عاملة خبيرة في هذا القطاع قائلاً: "أغلبية اليد العاملة اللبنانية الخبيرة في بلدان الاغتراب، لذلك يجب وضع الخطط والعمل على عودة اللبنانيين وتحفيزهم بشتى الوسائل لتوظيف خبراتهم النفطية في لبنان". وعن المتخرّجين الجدد قال عبيد إنه يجب دمجهم في سوق العمل النفطي، لذلك يجب علينا توجيه الجامعات لاتباع مناهج تعليمية متخصّصة في النفط كونه مجالاً واسعاً ومتشابكاً، كما يتوجب علينا إرشاد الطلاب لاختيار الكلية والاختصاص المناسبين لهم، لتصبح في ما بعد مهنتهم الخاصة التي يتقنونها بشكل جيد وسليم لبناء الكوادر النفطية اللبنانية المؤهّلة والمتخصّصة بمجال نفطي معين، تلبية لمتطلبات السوق الحالي القائم على مبدأ التخصّص في العمل". وعن إمكانية بناء وتشغيل معامل في لبنان بمواصفات المحطات الخارجية أشار بطرس عبيد: "علينا التحوّل من فكرة حرق الغاز إلى الفكر الصناعي الحديث للاستفادة من الغاز المستخرج لبناء معامل لعدة صناعات، ولكن للأسف حالياً لا توجد استراتيجية واضحة ومتكاملة لإدارة هذا القطاع وما زالت الخطط ضبابية، حيث ينصبّ اهتمام المسؤولين على طرق استخراج النفط فقط. برأيي على الدولة اللبنانية أن تبدأ بالبحث عن أراضِ صالحة للحصول على التراخيص اللازمة لبناء المعامل والمصانع لإعادة تدوير الغاز واستخدامه من أجل إنتاج الصناعات الاستهلاكية وليس فقط الاكتفاء بحرقه في معمل الزوق لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولذلك يجب التركيز على تهيئة الأجواء قبل استخراج النفط وليس بعده، ويتم التداول مؤخراً في الأوساط السياسية عن إنشاء "وزارة تخطيط" مهمّتها التخطيط للقطاعات الإنتاجية بالتعاون مع الشركات الأجنبية التي تمتلك الرغبة في الاستثمار في الشرق الأوسط، كالمملكة العربية السعودية ودولة قطر السبّاقتين في هذا المجال لما لديها من شركات ومعامل متطورة. لذا علينا الاستفادة من خبراتهما وأن نحذو حذوهما". وختم عبيد: "نتطلّع إلى نموّ هذا القطاع في أعين المسؤولين الجديين والمهتمين بمتابعة هذا الملف. وبرأيي تحُدّ السياسة المتبعة اليوم نوعاً ما من نشاط المجموعات الاقتصادية. ولذلك يجب فصل السياسة عن الاقتصاد لفتح مجال أوسع أمام الاقتصاديين والمستثمرين في قطاع النفط للعمل والتحرّك بحرية لبناء علاقات اقتصادية، إقليمية ودولية".
تعليقات الزوار