نحن بحاجة لجرعة أوكسيجين للنهوض باقتصاد لبنان
أنا متفائل بعام 2021 وما بعده
لطالما نادى وقدّم حلولاً ودراسات لإنقاذ البلد من ركوده الاقتصادي، ولأنّه رجل أعمال ناجح في عدّة مجالات، ولكونه رئيس جمعية تجار بيروت، كان لا بُدّ لنا من أن نسأله عن رؤيته وتوقّعاته بشأن الوضع الاقتصادي وعن أبرز المشاكل التي يُعانيها التجّار اليوم. لذا التقينا رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ليُطلعنا على أهم المشاريع والمقترحات التي من شأنها أن تُنقذ البلد وتعيد ثقة المواطن في الدولة. وعبر مجلّتنا، دعا شماس اللبنانيين إلى الاستهلاك في وطنهم بدلاً من الخارج، وحثّهم على إعطاء مصلحة لبنان الأولوية الكاملة دون سواها، كما طالب الدولة بإلغاء ضريبة "الرسم المقطوع" على التجار، وإنشاء صندوق ضمان اجتماعي خاص بهم، وشدّد على أنّ الانتعاش اللبناني يبدأ من بيروت شئنا أم أبينا.
هل تعتبر أنّ المرحلة المُقبلة ستحمل العديد من التحديات والمخاطر الاقتصادية للبنان؟
لبنان أمام سيناريوهين:الأول عندما تتشكّل الحكومة لأنّ كل المعايير والمؤشرات الاقتصادية والمالية تُعدّ سلبية، ولأنّ اللبنانيين تعرّضوا لأزمة معيشية في العام الماضي. لذلك نقول: إذا تشكّلت الحكومة وأوحت بالثقة للمجتمع اللبناني فمن الممكن أن يكون عام 2019 أفضل بكثير من عام 2018، لأنّ الأوجاع الاقتصادية كلّها مشخّصة، ويمكن في فترة وجيزة، بالاستناد إلى دراسة ماكنزي ومؤتمر "سيدر" وغيرهما، أن نكون قادرين على أن نؤدّي دوراً مهماً في التخفيف من وطأة هذه الأوجاع على اللبنانيين، وذلك من خلال تنفيذ خطة سريعة لإعادة مؤشرات النمو إلى الاقتصاد اللبناني، لأنّ انخفاض النموّ يولّد مشاكل كثيرة، ونحن كتجّار نعلم أنّ السبب الرئيسي وراء عدم وجود نمو اقتصادي يعود إلى انخفاض معدل استهلاك المواطنين، بسبب عدم توفّر السيولة لديهم، ونرى أنه يمكن للحكومة الجديدة أن تعيد الثقة إلى الاقتصاد. وأنا شخصياً أؤيّد تقشّف الدولة وليس الناس، لأنّ 35% من الناتج المحلي من الاقتصاد هو للدولة اللبنانية، وهذه سابقة في لبنان، حيث ازداد عدد الموظفين والمستفيدين من الدولة أكثر من قدرة احتمالها، وبات من الضروري أن تعود إلى حجمها الطبيعي وأن يكبر حجم القطاع الخاص، بعد أن توسّع حجم الدولة وانكمش حجم القطاع الخاص في الفترة السابقة. لكننا نحتاج حالياً إلى قلب هذه المعادلة رأساً على عقب، والعمل على زيادة إنتاجية الدولة وثقة المواطن فيها، لأنّه عندما يتمّ طرح اسم الدولة يتبادر سريعاً إلى أذهان الناس كل المشاكل السياسية والاقتصادية التي تعاني منها كالفساد، ضعف الإنتاج، التشبيح والمحسوبيات، وهذه الصورة النمطية البشعة يجب أن تتغير. لذلك نقول: إذا حظيت الحكومة الجديدة بتوافق سياسي فيمكن لها أن تستبدل صورة الدولة القديمة بصورة مشرّفة. أما إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه ولم تتشكل الحكومة فإنها ستكون الكارثة، وسنشهد عدّة تقارير مخيفة على المستويين المالي والنقدي. أما السيناريو الثاني، فكنتُ قد صرّحتُ سابقاً بأنه إذا تمّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، فإنها ستأخذ البلد إلى الهلاك المالي، وهذا ما حصل فعلياً، حيث إنه منذ عام وإلى اليوم ازداد التضخم المالي وارتفعت نسب الفوائد والضرائب التي امتصّت القدرة الشرائية اللبنانية. لذلك علينا احتواء مفاعيل هذه السلسلة والعودة مجدّداً إلى تحجيم الدولة وإعادة إطلاق حركة الاقتصاد من جديد، لأنّ نسبة البطالة في لبنان قد ارتفعت، ومؤسسات كثيرة أعلنت إفلاسها، والأصعب من ذلك هو انعدام الأمل لدى اللبنانيين في المستقبل. لذلك نعوّل على الحكومة الجديدة التي من شأنها أن تشجّع الناس على الاستهلاك والاستثمار، نظراً لوجود أموال في لبنان. لكن المشكلة الأساسية تكمن في توقفهم عن الاستثمار لقلّة الإيمان وانعدام الثقة لديهم، إذ يجب أن نعمل على إعادة الحدّ الأدنى من إيمانهم بهذا البلد للنهوض به.
كغرفة جمعية تجار بيروت، ما هي المقترحات التي قدّمتموها للدولة؟
كجمعية لم نتوقّف عن تقديم المقترحات، لكننا لسنا في موقع سلطة. وكنّا قد شخّصنا سابقاً الاقتصاد اللبناني، ونحن على دراية تامة بما يجب أن يحصل ويُعمل به، وهنالك تواصل دائم مع الدولة التي أصدرت مؤخّراً ضريبة على كل الصناعيين والتجار وهو "الرسم المقطوع"، وهذه الضريبة طرحت في السابق، وتأجّلت 18 عاماً في عهد الرئيس السابق سليم الحصّ في عام 2000، ثمّ تمّت إعادتها هذا العام وفي أصعب وقت اقتصادي، أي إذا كان التاجر يمتلك 3 محال تجارية فيتوجّب عليه أن يدفع عن كل محل مليوني ليرة لبنانية ضريبة للدولة. وكجمعية، نعمل اليوم على إلغائها، ولكن لا نضمن إلغاء هذا القرار. أما المشكلة الثانية فنحن كتجار لا نخضع للضمان الاجتماعي كالموظفين العاملين لدينا، لأنّ القانون أجاز للأجير والموظف وحدهما الخضوع لأحكام الضمان. لذلك قدّمت جمعية تجار بيروت اقتراحاً منذ سنوات عدّة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكي يصبح جميع التجار مسجّلين في الضمان، أو أن يتمّ إنشاء صندوق خاص بهم، لكي يحصلوا على الحدّ الأدنى من الأمان الاجتماعي. ومؤخراً، عرض المدير العام للضمان هذا الموضوع على مجلس الإدارة، والعمل جارٍ لمناقشته والبتّ فيه. كذلك استطاعت الغرفة أن توقف المطالبات بسلسلة الرتب والرواتب، ولسنوات عديدة، والبتّ بأمورعدّة كهيئات اقتصادية فاعلة، لأنّ صوت الجمعية أصبح مسموعاً أكثر لدى الناس، إن كان على مستوى رئيس الغرفة أو رئيس الجمعية وغيرهما، فلدينا مصداقية في العمل مع الناس، لأنّه في نهاية المطاف إذا تضرّر صاحب العمل فسيتضرّر العامل لاحقاً. لذلك يجب أن نكون في موقع سليم ليستمرّ العمل ويتمّ توظيف الناس لدينا.
كجمعية هل تطالبون بتخفيض الإيجارات في بيروت؟
بالطبع. إنّ المطالباتبتخفيض أسعار الإيجارات لم تتوقف حتى اليوم، لأنّه من أكبر بنود النفقات عند التجار الإيجارات. ولهذا السبب ما تزال المطالبات مستمرّة، لأنّه من المفترض أن يساهم أصحاب الأملاك العقارية من شركات، أفراد، أو ملاّك وقف مع التجار للمحافظة على المستأجر. ولذا يجب أن يكون هناك تعاون من قبل السلطات وأصحاب الأملاك العقارية مع المستأجر، خصوصاً في مثل هذه الأوضاع الاقتصادية المترديّة. هنا أريد أن أوجه دعوة إلى اللبنانيين، فهنالك العديد ممن يقومون برحلات سياحية إلى الخارج، وهذا الأمر طبيعي ومرحّب به، إلاّ أنهم يتبضّعون من المحال في الخارج بشكل كبير، بعد أن كان لبنان في سابق عهده بلداً سياحياً بامتياز، يقصده السياح الأجانب من مختلف البلدان للتسوق فيه، لكن اليوم تبيّن أن السياح الأجانب يصرفون في لبنان حوالى 3 مليارات ونصف مليار دولار أميركي بينما يُنفق اللبنانيون أثناء عملية التسوّق في الخارج حوالى 5 مليارات ونصف مليار دولار أميركي. لذلك أطلب من اللبنانيين أن يقوموا برحلات سياحية، ولكن أنّ يتمّ الاستهلاك في لبنان، لأنّه إذا تضرّر التاجر اللبناني فسيتضرّر معه الصناعي، صاحب المطعم، المصرف، المقاول، الطبيب، والمهندس وغيرهم... فهي عبارة عن حلقة متشابكة ومتكاملة. وكما يقول المثل: "إذا وقع الثور الأبيض اليوم فسيقع الثور الأسود غداً". لذلك أدعو اللبنانيين جميعاً إلى إعادة حساباتهم وإعطاء مصلحة لبنان الأولوية الكاملة دون سواها.
كيف تصف إنجازات المحافظ شبيب لمدينة بيروت إنمائياً واقتصادياً؟
شهادتي مجروحة بالمحافظ لأنني أقدّره كثيراً، وممّا لا شكّ فيه أنّ لديه إرادة صلبة في تحسين الأمور، لكن المشاكل الاقتصادية والسياسية التي نواجهها اليوم تفوق قدرات كل من الجمعية، الغرفة، المحافظة، البلدية، ونواب بيروت نظراً لتراكم هذه المشاكل عبر السنين. والأهم ممّا تقدّم هو أن يكون هناك إرادة صلبة، ونظرة ثاقبة، لأنها أمور يمكن أن تُبنى عليها استراتيجية واضحة وخطط إنمائية للنهوض بالبلد، فنحن لا نستطيع الاعتماد كلياً على الدولة، ونعوّل على جهود السلطة المحلية القادرة على تسهيل أمورنا. إن الثقة موجودة، وسنحاول قدر المستطاع أن نتعاون مع السلطات المحلية لتحسين وضع العاصمة ووسط بيروت الذي ساده التصحّر وبات كمدينة أشباح منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم، لكنّ بيروت عادت وانتعشت بعد تلك الفترة وإن بقدر أقلّ من السنوات الماضية، لأنّ معظم المحال التجارية أغلقت. نحن نسعى جاهدين إلى إعادة تلك الأيام والمجد إلى وسط بيروت. تعمل البلدية حالياً على دراسة عيد الميلاد Christmas Villageفي أسواق بيروت وإقامة حفل غنائي ضخم على غرار حفل رأس السنة. وكل مبادرة تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد في بيروت تكون مباركة من جهتنا ونعمل على مواكبتها باستمرار. نحن على استعداد تام لأن نبذل كل الجهد لمساعدة المحافظ والبلدية على إنماء بيروت وتحسين صورتها، كما أننا نعمل على إعادة رونق بيروت لتعود "عروس الشرق"، هذه الصفة التي سُلبت منها من قبل مدن وأماكن أخرى، لذلك من المفترض أن يبدأ الانتعاش اللبناني من بيروت شئنا أم أبينا.
برأيك لماذايُحارب المحافظ ورئيس بلدية بيروت؟
إنني استنكر بشدّة هذه الأمور الخاطئة، وأستهجن هذا الهجوم عليهما، وأنا أؤيّد مبادراتهما المجدية التي يقومان بها باستمرار لتنشيط الحركة السياحية في العاصمة، وذلك بإقامة المهرجانات والنشاطات الترفيهية والثقافية، فنحن اليوم بحاجة إلى أي جرعة أوكسيجين لإعادة بيروت كما كانت في السنوات الذهبية، إذ إنّ من العار علينا أن تتحوّل بيروت إلى مدينة أشباح.
قمتم بزيارة فخامة رئيس الجمهورية والشيخ سعد الحريري، فما هي نتيجة هذه الزيارات؟
لقد حصلنا على الدعم الكامل من جانبهم، لكن بانتظار تشكيل الحكومة لأنها الأساس، ونحن على يقين بأن الحكومة التي ستتشكّل اليوم ستكون مختلفة عن سابقاتها، نظراً لزيادة الوعي عند المسؤولين بأنّ الاقتصاد هو الأساس، بعد أن شملت المرحلة السابقة عدّة اهتمامات أخرى: قانون الانتخابات الذي طال انتظاره، إعادة تحريك الدورة المالية مع موازنة عام 2017 -2018، بالإضافة إلى الاهتمام بدورة التراخيص الأولى لاستخراج النفط، والتي تعدّ أموراً جيدة ومهمّة. اليوم تعتبر الأوضاع المعيشية للناس على المحكّ، ولذلك نرى أن فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري يقومان بإدراج هذا الموضوع والهمّ الاقتصادي على رأس قائمة الأولويات، ما يجعلنا مطمئنّين، بالرغم من أننا لم نلمس حتى الآن مفاعيل هذه الأمور، لأننا ما نزال من دون حكومة. جرت الانتخابات النيابية في شهر أيار الفائت، ومع ذلك لم تتشكل الحكومة بعد، لكن مهما طال انتظارها إلاّ أنّ تأليفها يعدّ أمراً محسوماً، إذ كان الهدف الأساسي من الانتخابات النيابية هو فرز معايير معيّنة لكي تتشكل الحكومة على ضوء نتائجها، وإلاّ فإننا لم نكن لنشهد انتخابات. لقد أظهرت هذه الأخيرة حجم كل فريق سياسي، ما يوجب الالتزام بها، لأننا قادرون على تشكيل حكومة توافقية.
هل سنراك في الحكومة المقبلة؟
"صاحب الولاية لا يولّى"، فأنا أخدم بلدي من موقعي الحالي بكل ضمير، وأساهم إيجاباً بتفعيل الاقتصاد، فإذا كنت داخل السلطة أو خارجها، يبقى المهم لديّ أن أستمرّ في المساهمة لأنني أفضّل أن أكون مشاهداً فاعلاً لا ممثلاً عاجزاً.
تعليقات الزوار