شكّلت الإجراءات الجمركية المشدّدة، بعد قرار وزير المالية علي حسن خليل بإلغاء مسار الخط الأخضر واعتماد مسار الخط الأحمر في عمليات تخليص البضائع في المرافىء والمطار، تأخيراً وتراكماً لأعداد المستوعبات في باحة الحاويات في مرفأ بيروت، كما شكّلت ارباكاً في عمليات التخليص وإخراج البضائع، ما انعكس تململاً على التجار والمصدّرين والمستوردين على حدّ سواء.

فالإجراءات التي اعتمدت في مرفأ بيروت، ولو كانت لفترة محدودة، أعاقت عملية انسياب البضائع وتسبّبت بزيادة التكاليف والأعباء المالية على المستوردين، والتي بالنتيجة يتحمّلها المستهلك والمواطن اللبناني، ما يتطلّب تعزيز الترابط والتعاون بين الوزارات المعنية قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بالتجارة، بهدف دراسة النواحي الإقتصادية والتجارية كافة لحماية الصناعة الوطنية والإنتاج الوطني، وبالتالي اتخاذ قرار موحّد من مجلس الوزراء.

فالقرار المُتخذ لم يراع امكانيات إدارة الجمارك في قدرتها على تطبيق القرار وتغطية جميع المعاملات المتراكمة في مرفأ بيروت، نظراً للنقص الكبير في جهاز التفتيش البشري، إضافة إلى عدم توفر المساحات الكافية في باحات الكشف، والآليات اللازمة لإنجاز التفتيش بالشكل المطلوب. كما أن القرارات المتخذة من قبل الوزارات المعنية، تستوجب بالضرورة استشارة النقابات المختصة وإبلاغ المستوردين بها وإمهالهم فترة معينة لبدء سريانها، وعدم مفاجأة المستوردين عند وصول شحناتهم إلى المرفأ بسلسلة قرارات جديدة، تكبّدهم الغرامات وتؤخّر من عملية تخليص البضائع.

إنّ محاربة الفساد والتهريب، يجب أن يتم توجيهها إلى أفراد وكيانات معروفة، وأن تشمل سلعاً يمكن التلاعب في رسوم الجمارك الخاصة بها، ففي قراءة بسيطة للأسبوع الأول من تطبيق قرار وزير المالية، حققت خزينة الدولة مداخيل من الرسوم والغرامات تقدر بنحو 400 مليون ليرة، إلاّ أنّه في المقابل، دفع الإقتصاد اللبناني ضعف المداخيل المحققة أي 800 مليون ليرة، إضافة إلى تكبّد الفوائد المالية للتجار في المصارف، نتيجة تجميد الرأسمال التجاري في المرفأ.

ومن الملحّ بعد إقفال المعابر البرية، الإسراع بإقرار دعم كلفة النقل الإضافية التي يتكبدها الصناعيون والمزارعون الذين كانوا يصدّرون عبر الطرق الدولية البرية إلى دول الخليج والأردن، حيث باتوا مجبرين على التصدير عن طريق البحر، ما يكبّدهم تكاليف إضافية تضعف قدرتهم التنافسية، علماً أن الخسارة الناتجة عن فقدان هذه الاسواق، سوف تصيب المصدّرين ومالية الدولة في آن معاً.

وملخّص القول إنّ تطبيق الإجراءات أو وجود بعض الخلل أو الإرباكات، تبعاً للظروف التي تمرّ بها البلاد، لا يعني بالضرورة، تفشّي الفساد، والتحايل على القوانين للتهرّب من الإلتزام بالضوابط والمعايير والآليات التي تفرضها. فالإجراءات الجمركية التي شهدها مرفأ بيروت والمطار لم تكن مثالية، لكن كان لا بُدّ من اتخاذ إجراء ما في هذا المجال، ورغم الآثار السلبية التي نجمت عن تلك الإجراءات في بعض الجوانب، إلاّ أنّ الكثير من الآثار الإيجابية لا يمكن تجاهلها، والمرتبطة بضبط عمليات التهريب وعمليات التصريح عن البضائع والتهرّب من الرسوم وتصنيف البضائع بشكل مخالف. لكنّ الأهم بعد كل ما جرى من اجتماعات ضمّت وزير المالية والهيئات الإقتصادية في لبنان، أنّ الحديث عن إعداد مشروع قانون لإنشاء محكمة جمركية، لا يزال في مرحلة التشاور مع وزارة العدل، مع الأخذ بعين الإعتبار الضوابط في تطبيق القوانين المرعية الإجراء وبالتالي تطبيق مبدأ المحاسبة.