"يا عم اتكل على الله واشتغل رقاصة". جملة قالها الفنان عادل إمام قبل أكثر من 25 عاماً في مسرحيته الشهيرة "شاهد ما شفش حاجة"، لكنه لم يكن يعلم في حينها أن كوميديته الساخرة ستتحول إلى حقيقة ومهنة يتقنها كثير من الرجال اليوم. هنّ راقصاتٌ شرقيات عذراً هم "راقصون شرقيون"، قرّروا اختراق هذا العالم الأنثوي بكل ما يتضمن من إثارة وتحريك للأحاسيس والمشاعر وربما للغرائز لدى كثير من الرجال، ولأنّ المساواة في الحياة مطلبٌ لكل إنسان والنساء هنّ من رفعن الصوت عالياً للمطالبة بهذه المساواة مع الرجل في العمل والحياة والحقوق، أطلّت علينا اليوم مجموعة من الرجال لتدخل معترك الأنوثة من بوابة الرقص الشرقي ولتنافس كبار الراقصات الشرقيات من مصر، لبنان وسوريا. ظاهرة غريبة تحتاج إلى تفسير عميق. في لبنان تعلو الأصوات مختلفة بين مؤيد لرقص الرجل ومعارض، بين من يقولون نعم، لمَ لا؟ معللين قبولهم هذا بأنّ رقص الرجل ظاهرة غريبة وهناك من يتقنها، وبين من يقولون لا مصرّين على أنها فعلُ أنثوي يُحرّم على الرجل المساس به، فلطالما ارتبط الرقص منذ عشرينيات القرن الماضي بالأنثى وبقوامها الممشوق وبمرمرية سيقانها. يبقى للرقص الشرقي الذي ما زال محفوراً في عقولنا منذ الأفلام المصرية القديمة معجبون، فالغربيون يجدون في مشاهدته متعة الشرق ولذته. الآن، نرى في مصر تنامياً كبيراً لهذه الظاهرة، حتى وصلت إلى سحب البساط من تحت كثيرات من راقصات مصر بعد أن تزايد الطلب في فنادق ومطاعم مصر الضخمة على راقصين رجال معينين. بنظرة ناعسة و"جلابية" أو بذلة رقص لا فرق تحمل في ثناياها الكثير من الترتر والشال الذي يغطي الكتف، يدخل الراقص فيلقيه على حاضريه ليرفع عصاه ويبدأ دق الطبل وهزّ الوِسط. كثر من يبرّرون ممارستهم لهذه المهنة بالهواية، وقلةٌ من يعترفون بأنهم دخلوها بقصد لقمة العيش وكسب الكثير من الأموال، أو ربما الدولارات ومن يعرف ربما الإسترليني، الذي يُرشّ فوق أوساطهم التي تهزّ دون تعب أو كلل. ففي تركيا بدأت هذه الظاهرة أيضاً بالتنامي مع ظهور شاب في النوادي والحانات، يرتدي سراويل سوداء فضفاضة وغطاء للرأس مصنوعاً من السلاسل مع وشاح شفاف يبعث الإثارة في النفوس ويرقص على أنغام موسيقية شرقية، فيجذب عيون كل من يراه ليرعش الأجساد بهزة خصره البركانية، ويبقى الشارع المصري الأكثر رفضاً لهذا الموضوع، رابطين إياه بالشذوذ الجنسي وإطلاق العنان للدعارة. إنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها دخول رجال عالم الأنوثة من بوابة الرقص الشرقي، فالشاب المغربي نور الذي تحوّل إلى أنثى ودخل عالم الرقص الشرقي من أوسع أبوابه قال عنه المصريون: "إنّها سفيرة المغرب للرقص الشرقي". تبقى نعيمة عاكف، تحية كاريوكا، سامية جمال، نجوى فؤاد، فيفي عبده، لوسي، ودينا أسماء كلما سمعنا بها نتذكر فناً جميلاً تركنه وما زال يُعلّم لأجيال قادمة، ومعهنّ عرفنا معنى الرقيّ في الرقص والإبتعاد عن الإبتذال، تضاف إليهنّ أسماء عدّة برزت في عالم الرقص الشرقي خصوصاً من الجنس الآخر التي تباينت الآراء حول تقبلهم في المجتمع.
هذا الاختلاف دفعنا الى وضع النقاط على الحروف لحسم الجدل الحاصل في المجتمع من خلال استطلاع رأي كل من المعالجة النفسية فرح مقدّم والراقصة الشرقية إليسار اللتين اعتبرتا ان الرقص الشرقي هو فنّ راقٍ لا ينحصر بالأنثى فحسب، بل يمكن للرجال مزاولة هذه المهنة ضمن شروط معينة تحافظ على رسالة هذا الفن السامي.
المعالجة النفسية فرح مقدّم: ربط الرقص الشرقي بالهوية الجنسية "خطأ شائع"
الحالة النفسية أو الميول الجنسية للإنسان ليسا سبباً وجيهاً لامتهان الرقص الشرقي
هنالك إقبال كبير من الرجال على تعلّم الرقص الشرقي، هل للميل الجنسي علاقة برقص الرجل؟
إستناداً إلى النظرية التحليلية النفسية يُعدّ الرقص الشرقي تسامياً ووجهاً ثقافياً ونوعاً من أنواع الفنون الأدائية التي تعتمد على حركات الجسد وفق مهارات عالية يتحلّى بها شخص معين. لذا، لا يرتبط هذا الفن الراقي الجميل بالنشاط الجنسي للرجال أو للنساء على حدّ سواء، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون لدى الرجل رغبة كبيرة في احتراف الرقص، إلاّ أنه على صعيد الخيار الجنسي هو متباين جنسياً أو محبّ للجنس الآخر فقط Heterosexualوليس متحولاً جنسياً Transsexual. لكن الشائع في مجتمعنا اليوم يربط مهنة الرقص الشرقي بالميل الجنسي كونه يحاكي لغة الجسد ويتمّ التعبير عنه بطريقة واضحة خلافاً لما تشهده المهن الأخرى، مع العلم أن الدبكة تعتبر أيضاً إغراءً تعكس رجولة الرجل بالنسبة إلى الأنثى بحسب خبرتي العيادية. لذا، أقول إنه من الناحية العلمية لا يمكن ربط الرقص الشرقي للرجال بالنشاط الجنسي، إذ يعدّ إمتهانهلمهنة الرقص قراراً شخصياً نتيجة حبّه وشغفه لهذه المهنة كونها غير محصورة بالنساء فقط بل مشروعة للرجال أيضاً، فهنالك العديد من المهن في مجتمعنا العربي يزاولها الرجال كما النساء كمهنتي الطهي والتزيين النسائي وهذا دليل واضح على أنّ الميول الجنسية للإنسان لا تُحدّد توجّهاته في اختيار مهنته المستقبلية.
هل رقص الرجل مرتبط بإضطرابات نفسية؟
كلا، بل يرتبط على وجه الخصوص بشخصية الراقص الشرقي وطريقة أدائه لهذا الفن من خلال تقديمه عروضاً فنية راقصة تتّسم بالرقي بعيداً عن الابتذال والإغراء، فهذه الأخيرة هي وسيلة وليس هدفاً مرتبطاً حكماً بمهنة الرقص أو سواها. لذلك أرى أن أسلوب الراقص الشرقي وطريقة التعبير عن موهبته في الرقص هما المحدّد الأساسي لعمله ولا تمتّ إلى العوامل النفسية بصلة.
الراقصة إليسار: رجلٌ يرقص بجسدٍ شبه عارٍ متمثلاً بالنساء أمر تخطّى المألوف
أما وجهة نظر الراقصة اللبنانية الجميلة اليسار فكانت كالآتي خلال هذا اللقاء:
ما هو تعليقك على ظاهرة إنتشار رجال يمتهنون "الرقص الشرقي"؟
أصبحت هذه الظاهرة شائعة في مجتمعنا العربي، فهنالك العديد من الرجال باتوا يمتهنون الرقص الشرقي كمدربين اعتماداً على موهبتهم الفريدة وأدائهم المميز ولباسهم المحتشم، إلاّ أن المشكلة الأساسية تكمن في إحياء هؤلاء الراقصين الرجال لبعض الحفلات الفنية والمهرجانات وهم يرتدون بذلة رقصٍ أنثوية في محاولةٍ منهم للتمثّل بالراقصة الشرقية وهذا الأمر غير محبّذ به ومرفوض تماماً لأنّ الراقصة لها مفاتنها الجسدية وأنوثتها الطاغية التي وهبها إيّاها الله ومن الصعب تقليدها أو التمثّل بها. لذا، يتوجّب على كل راقص شرقي أن يحافظ على هويته الشخصية في طريقة أدائه لمهنة الرقص مرتدياً لباساً يليق بجسده بعيداً عن تقليد الراقصة مظهراً وتفصيلاً.
برأيك، هل المرأة هي الأجدر بالرقص الشرقي من الرجل؟
بالتأكيد، فالراقصة الشرقية لديها هوية خاصة بها تتمثّل في طريقة أدائها وزيّها ومظهرها الخارجي المُفعم بالأنوثة. لذا، أرى أنّ الراقصة هي الأجدر في مزاولة مهنة الرقص الشرقي خصوصاً لناحية إحياء الحفلات الفنية وإرتداء بذلة رقصٍ إشتُهرت تاريخياً بأنها مخصّصة للراقصات فقط.
ماهو جديد اليسار لهذا الموسم؟
لدي العديد من الحفلات والاعراس في لبنان والخارج كالعادة.
تعليقات الزوار