الخلل الأساسي يكمن في الواقع العليل الذي يُخيّم على عمل المؤسسة القضائية
ينتمي المحامي موريس الجميّل الى عائلة لها تاريخٌ عريق في السياسة ومعروفة بمواقفها الوطنية. نشأ موريس على احترام القانون منذ طفولته، ما شكّل حافزاً لديه لدراسة الحقوق، فتخرّج محامياً مختصّاً في قانون الشركات من جامعة الحكمة في لبنان. وبصفته عضواً في حزب الكتائب اللبنانيةووكيلاً لأهم الشركات اللبنانية والعربية، إلتقينا به ليطلعنا على حال الشركات في ظلّ الوضع المتأزم، ونظرته إلى الأسس الداعمة للاقتصاد اللبناني.
بدايةً، كيف تقيّم الوضع الاقتصادي الحالي؟
هناك تخوّف وقلق دائم من الوضع الاقتصادي، لأنه يتّجه في مسار غير سليم وصعب، وذلك بإجماع العديد من الخبراء الاقتصاديين على تدهوره، وإمكانية وصوله إلى ما لا تُحمَدُ عُقباه. ولتفادي هذا الأمر، يجب اتخاذ خطوات فعّالة وجديّة، تقضي بوضع خطة إنقاذية طارئة مع سلسلة إصلاحات جذرية، وإعطاء حوافز للمستثمرين لجلب المزيد من رؤوس الأموال إلى لبنان. نُحذّر من أن تماسك الاقتصاد حالياً لا يعني دوام حاله مستقبلاً.
أنت وكيل للعديد من الشركات المهمّة في البلد، كيف ترى وضعها اليوم؟
انعكس هذا الوضع المتأزم على عمل العديد من الشركات التي باتت تعاني من أزمة مالية كبيرة، ومن كثرة دعاوى إشهار الإفلاس في المحاكم القضائية، حيث أن بعض الشركات لم تستطع الصمود وأعلنت إفلاسها بشكل نهائي. نتج هذا الأمر عن عوامل عدّة أثّرت على اقتصادنا، أهمّها العامل السياحي الذي تراجع بشكل كبير وأرخى بظلاله على عمل الشركات كافة، فضلاً عن عامل الاستقرار الأمني المُهدّد دائماً بالخطر، وتأثيره المباشر على استمرار عملها، ما شكّل بدوره خوفاً لدى العديد من المستثمرين وأصحاب المشاريع الكبيرة الذين قاموا بتجميد أرصدتهم المالية وأعمالهم تحسّباً لأي أزمة طارئة، ما خلق جواً من الجمود والركود في حركة القطاعات كافة. لكن، ما أودّ تأكيده اليوم هو أن الوضع الاقتصادي العام ما زال تحت السيطرة، بعيداً عن ما يتمّ تداوله وحالات التهويل والهلع التي تُؤثّر على سمعة لبنان ونموّه الاقتصادي.
عند حدوث مشاكل مالية يزدهر عمل المحامي، هل هذا صحيح؟
بصفتي محامياً متمرّساً ولديّ خلفية قانونية واسعة في هذا الشأن، لا أرى أن المشاكل المادية وعلاقة الشركات مع عملائها أو حالات تهرّب بعض التجار من الدفع أو وضع حلّ للنزاعات بينهما، تدخل في عمق صلاحيات المحامي الرئيسية، بل ينحصر دوره بشكل أساسي وقانوني في عدّة أمور أهمها: توسعة أعمال الشركات في الخارج، إبرام عقود تجارية تزيد من الأرباح المالية للشركات ومساعدتها في المسائل القانونية.
ما هي أهم الإصلاحات التي يجب البدء بها تنفيذاً لتوصيات مؤتمر "سيدر"؟
تحتاج رُزمة الإصلاحات التي أقرّتها الحكومة في جلساتها السابقة إلى رسم سياسة إقتصادية عامة وواضحة، واعتماد إستراتيجية شاملة ومتكاملة من الإصلاحات القانونية، التنظيمية، المؤسسية والمالية، مما يخفّفمن العوائق الهيكلية القائمة منذ عقود عدّة أهمها مشكلة الفساد والهدر، وعدم امتثال الجميع إلى أحكام القانون. للأسف، استفاقت الدولة مؤخراً على محاربة هذا المرض السرطاني في أجهزتها ومرافقها العامة، وذهب عدد من النواب، الوزراء ورجال الأعمال إلى حدّ تقديم بعض الاقتراحات لوقف الهدر المالي، الإنفاق غير المجدي والتوظيف العشوائي. لكنّها لم تفِ بالغرض المطلوب، بسبب غياب التنسيق الدائم بينهم وعدم إتباع معايير قانونية واضحة، بالإضافة إلى اصطدامهم بحواجز عدّة، فرضت نفسها على مسار عمل هؤلاء الناشطين وقيّدت حركتهم وقدرتهم على تخطيها. لا يتوقف العمل الإصلاحي على المبادئ العامة وأولويات الدولة الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل يجب أن يتخطى حدود مساعيها بإصلاح عمل المؤسسات الحكومية، إلى الاهتمام بالقضاء وفصله عن السياسة بمنحه استقلالية تامة، والاستفادة من تجارب الدول الأجنبية في الأمور القانونية وتطبيقها على نظامنا الحالي، لأن الخلل الأساسي يكمن في الواقع العليل الذي يُخيّم على عمل المؤسسة القضائية.
برأيك، ما هي العوامل الأساسية الداعمة للاقتصاد؟
ما يُميّز اقتصادنا اللبناني اليوم عن اقتصاد العالم أجمع، أن لديه موارد مالية داخلية وخارجية تُساهم في إنتشال البلد من ركوده. وأبرز موارده الخارجية: التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين والاستثمارات الداعمة للاقتصاد اللبناني، توصيات مؤتمر "سيدر" وغيرها... بالإضافة إلى توفّر مقومات داخلية عدّة تمنحه القوة والصمود لتخطي أزماته، منها التنقيب عن النفط والغاز اللذين يشكّلان أولوية بالنسبة إلى لبنان. إن الاستفادة من مفاعيل هذه الموارد، تكمن في توحيدها وتفعيلها لبلوغ الأهداف المتوخاة منها.
تعليقات الزوار