كثُرت في لبنان الجرائم المالية وتنوّعت ما بين الإحتيال والاختلاس وتبييض الأموال، ولكن من غير المقبول أن تبقى هذه الجرائم من دون عقاب، لذا لا بدّ من تطبيق القانون بعيداً عن (الرشاوي) او الإحتيال على القانون، من هذا المنطلق تتوضّح أهمية معاقبة مرتكبي هذه الجرائم... ولمعرفة أنواعها وعقوباتها ومدى الضرر الذي تلحقه بالدولة، كان لنا هذا اللقاء مع المحامي اللامع روي أبو شديد.
ما المقصود بغسيل الأموال أو تبييضها؟
جرم تبييض الأموال بحسب المادة 2 من القانون رقم 318/2001 هو كل فعل يُقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة، أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت. وهو أيضاً تحويل الأموال أو استبدالها مع العلم بأنها غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها، أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسؤولية. وكذلك يُعرّف تبييض الأموال بأنه تملّك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو للقيام بعمليات مالية، مع العلم بأنها أموال غير مشروعة، وتعرّف الأخيرة بحسب المادة 2 من القانون رقم 318/2001 بأنها الأموال الناتجة عن ارتكاب إحدى الجرائم الآتية: زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها، الأفعال التي تقدم عليها جمعيات الأشرار المنصوص عليها في المادتين 335 و336 من قانون العقوبات والمعتبرة دولياً جرائم منظّمة، جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المواد 314 و315 و316 من قانون العقوبات، الاتجار غير المشروع بالأسلحة، جرائم السرقة أو اختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها بوسائل احتيالية والمعاقبة عليها في القانون اللبناني بعقوبة جنائية، وتزوير العملة أو الأسناد العامة.
ما هي عقوبة تبييض الأموال وتهريبها؟ يعاقب كل من أقدم أو تدخّل أو اشترك بعمليات تبييض أموال بالحبس من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين مليون ليرة لبنانية.
ما هي الثغرات القانونية التي تدفع بأصحاب هذه الجرائم للإفلات من العدالة؟ إن تبييض الأموال جريمة تبعيّة لاحقة تسبقها جريمة أخرى أصلية تنتج عنها أموال غير مشروعة من شأن تحريكها واستثمـارها زعزعة اقتصاد الدول، مثل تمويل أنشطة الإرهاب، لذا يبدو أن الصعوبة الأكبر هي في تحديد الجريمة الأصلية وضبطها ومكافحتها، والثغرة القانونية هي أمد المحاكمة الذي يطول جداً في ملاحقة الجرائم الأصلية، الأمر الذي يعطي مبيّضي الأموال الوقت الكافي لتهريبها. إنّ أهم الركائز الرئيسة للإقتصاد اللبناني هي السرّية المصرفية، أي حماية الخصوصية التي تمنحها سرية الحسابات في لبنان بموجب قانون 3/9/1956، إلاّ أنّ هذه السرية تحتوي على ثغرات تسمح بحدوث تبييض الأموال، الأمر الذي دفع بالمصارف اللبنانية الى إنشاء وحدة تدقيق داخلية بالعمليات والبيانات المالية للتأكّد من صحتها.
كيف يتم تلافي هذه الثغرات بما يضمن معه اتخاذ القانون لمجراه الصحيح؟ تلافي الثغرات يتم عبر تفعيل دور "هيئة التحقيق الخاصة" والتي لها طابع قضائي وغير خاضعة لسلطة مصرف لبنان، وتتألّف من حاكم مصرف لبنان رئيساً، وعضوين: رئيس لجنة الرقابة على المصارف والقاضي المعيّن في الهيئة المصرفية العليا وعضو يعيّنه مجلس الوزراء. أما مهمّتها فتتمثل في التدقيق في المعلومات وتجميد الحسابات المشبوهة حتى يتمّ إصدار قرارها النهائي بتحرير تلك الحسابات ورفع السرية المصرفية عنها، وتجميدها قبل أن ترسل نسخة عن قرارها إلى النائب العام التمييزي وإلى الهيئة المصرفية العليا وإلى صاحب العلاقة والمصرف المعني.
ما هي عقوبة التعامل مع "داعش" وغيرها من المنظمات الإرهابية؟ يعاقب قانون العقوبات اللبناني كل فاعل أو محرض أو شريك أو متدخل في الجرائم الإرهابية أكان لبنانياً أم أجنبياً، وذلك وفقاً للمادتين 315 و316 من قانون العقوبات اللبناني، فالمادة الأولى تنص على أن المؤامرة التي يُقصد منها ارتكاب عمل أو أعمال إرهاب يُعاقب عليها بالأشغال الشاقة الموقتة لخمس سنوات على الأقل، ويستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة إذا نتج عنه التخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى، أو التعطيل في وسائل المخابرات والمواصلات والنقل، ويقضي بعقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل إلى موت إنسان أو هدم البنيان بعضه أو كله وفيه شخص أو عدة أشخاص. أما المادة الثانية فتنص على ألا تنقص عقوبة المؤسسين والمديرين عن سبع سنوات. وبالنسبة الى تمويل الإرهاب فكل من يقوم عن قصد وبأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بتمويل أو المساهمة بتمويل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية أو المنظمات الإرهابية، يُعاقب بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن مثل المبلغ المدفوع ولا تزيد عن ثلاثة أمثاله.
ما هو المقصود بجريمة الاحتيال وما هي عقوبتها؟ عرّفت المادة 655 من قانون العقوبات جرم الاحتيال بأنه كل من حمّل الغير بالمناورات الاحتيالية على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء أو منفعة واستولى عليها، ويُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة. ومن المناورات الاحتيالية: الأعمال التي من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع وهمي أو التي تخلق في ذهنه أملاً بربح أو تخوفاً من ضرر، تلفيق أكذوبة يصدقها المجني عليه نتيجة تأييد شخص ثالث ولو عن حسن نية أو نتيجة ظرف مهّد له المجرم أو ظرف استفاد منه، التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة ممن ليس له حق أو صفة للتصرف بها أو ممن له حق أو صفة للتصرف فأساء استعمال حقه توسلاً لابتزاز المال، استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة للمخادعة والتأثير. ويُطبَّق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم. كما نصت المادة 656 من قانون العقوبات على ما يأتي: تُضاعَف العقوبة إذا ارتُكب الجرم في إحدى الحالات الآتية: بحجة تأمين وظيفة أو عمل في إدارة عمومية، بفعل شخص يلتمس من العامة مالاً لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما، بفعل أي مفوض بالتوقيع عن شركة أو جمعية أو مؤسسة أو أي شخص معنوي آخر. ويُعتبر هذا الجرم جنحة وبالتالي لا تتعدى مدة العقوبة الثلاث سنوات حبساً كحدٍّ أقصى، ما يؤدي إلى إخلاء سبيل المرتكبين بعد مدة قصيرة من توقيفهم، مع العلم أنّ مدة السنة السجنية هي 9 أشهر.
تزايدت في الفترة الأخيرة عمليات النصب والاحتيال، وتمّ توقيف العديد من "النصّابين" الذين أُفرج عنهم بكفالة، لماذا لا ينال المجرم جزاءه في لبنان؟ تكمن المشكلة في القانون اللبناني في نقاط عدة: النصوص القانونية التي تجرّم فعل الاحتيال لم تتطرق إلى قيمة المال محل جريمة الاحتيال ودوره في تحديد العقوبة، والوصف القانوني للجرم، حيث سـاوت بين جميع قيم المال مهما قلّت أو ارتفعت، بمعنى أن المادة 655 من قانون العقوبات اللبناني لم تحدد نصاباً مالياً مـن أجل تحديد العقوبة أو تحويلها من عقوبة جنحية إلى جنائية، هناك صعوبة في التمييز والتطبيق القانوني بين جريمة الاحتيال وبعض الجـرائم الأخـرى والتي يكون موضوعها الاستيلاء على الأموال.
ما هي المخاطر والأضرار الاقتصادية للجرائم السابقة؟ يؤدي تهريب الأموال إلى الخارج لتبييضها واستخدام الأموال المبيضة في تنفيذ صفقات استثمارية غير منتجة، من خلال تجميدها بشراء مقتنيات مشهورة بمبالغ طائلة، مثل اللوحات الزيتية لمشاهير الفنانين أو التحف والأحجار الكريمة باهظة الثمن، إلى إضعاف وتراجع القدرات المالية المتاحة لتنفيذ مشاريع وطنية منتجة، ما يؤدي إلى الكساد والركود الاقتصادي. وكذلك يؤدي إلى انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث يزيد اهتمام الدولة بالشؤون الأمنية، ومضاعفة الإنفاق عليها على حساب خطط وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعرقلة برامج التصحيح الاقتصادي، ما ينعكس سلباً على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ويؤدي إلى تراجعها، فكلما زاد حجم عمليات تبييض الأموال زاد انخفاض الناتج المحلي .ومن الأضرار أيضاً انخفاض قيمة سعر صرف العملة الوطنية وزيادة الطلب على العملات الأجنبية بغرض تحويلها للإيداع في بنوك خارج البلاد أو استثمارها هناك، وفي المقابل تتم زيادة العرض للعملة الوطنية، ما يؤدي إلى انخفاض قيمتها مقابل العملات الأجنبية تماشياً مع سوق العرض والطلب، وضعف قوتها الشرائية واضطراب الأسعار، وزعزعة الثقة بقيمة العملة الوطنية محلياً وإقليمياً، والمضاربة على العملات الأجنبية، وظهور السوق السوداء لصرف العملة .ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية النقدية وزيادة الاستهلاك، وارتفاع مستوى الإنفاق، وزيادة الطلب، وارتفاع المستوى العام للأسعار، ما يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود .إضافة لما تم ذكره، هذه الجرائم ستزيد من الأعباء الضريبية، فالأموال التي تخرج من أي بلد لتستقر في بنوك عالمية وفق عمليات تبييض أموال، تشكل تهديداً للدخل الوطني، ما يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني بشكل عام، ويكون أيضاً ذا تأثير سلبي على أصحاب المداخيل المشروعة في الاقتصاد الوطني بشكل خاص .كما يقوم أصحاب المشاريع التي يكون أساس أموالهم غير مشروع كتلك الناتجة عن جرائم الاحتيال وتبييض الأموال، ببيع السلع والخدمات بأسعار زهيدة قد لا تصل أحياناً إلى قيمة رأسمالها الحقيقي، لأنهم يبحثون عن تنظيف أموالهم ولو بأقل من القيمة الحقيقية لها، وهم بذلك رابحون حتى ولو كانت مبيعاتهم أقل من سعر التكلفة، ويؤدي هذا التعامل التجاري إلى حرق الأسعار وإلحاق الضرر بالمشاريع والمؤسسات ذات رؤوس الأموال المشروعة، ما يقضي على نظام المنافسة المشروعة، ويُلحق أضراراً جسيمة بحرية التجارة .لذا تساهم الأموال الناتجة عن الجرائم في رفع معدلات دخول الفئات غير المنتجة على حساب الفئات المنتجة، ما يؤثر على مستوى معيشة أفراد المجتمع، ويشكل بالتالي توزيعاً عشوائياً غير عادل للدخل القومي، ويرافق ذلك فجوة واسعة بين الأغنياء والفقراء، ينتج عنه ظلم اجتماعي وتهديد أمني للمجتمع، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، فعمليات الاحتيال التي تعتمد على التهرب من الجمارك والرسوم والضرائب، تساهم في خفض الإيرادات العامة للدولة، والتي تنعكس على خفض حجم الإنفاق العام، ما يسبب إعاقة البرامج الهادفة إلى زيادة فرص العمل وخفض معدلات البطالة أو تعويض العاطلين عن العمل.
هل هناك خطوات لتحسين الأنظمة التشريعية بما يخصّ هذه الأنواع من الجرائم؟ الحلول المطروحة تكمن في تعديل المادة 656 بإضافة حالات تشديد إضافية: كتشديد العقوبة عند ارتكاب جرم الاحتيال إضراراً بالدولة أو أي هيئة عمومية، تشديد العقوبة وفقاً لقيمة المال المستولى عليه، تشديد العقوبة في حال تعدد المجني عليهم.
تعليقات الزوار