حالة التقشّف التي يمرّ بها الاقتصاد العراقي، التي فرضتها عليه حرب تراجع أسعار النفط العالمية وحرب "داعش"، لم تقف حائلاً دون اهتمام وزارة التخطيط بواقع المواطن، ما دفع وزير التخطيط الدكتور سلمان الجميلي للبحث عن حلول من شأنها المساعدة في التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية التي يواجهها العراق اليوم.واللافت أنّ الوزير الجميلي يملك رؤية مستقبلية دعته إلى اعتماد أطر غير تقليدية في التعامل مع مختلف القضايا لا سيما تلك المتعلقة بتوفير الخدمات وإنجاز مشاريع البنى التحتية.ويرى الوزير الجميلي في حديثه مع "مشاريع العراق" أنّ الأحوال الصعبة التي يمرّ بها العراق يجب أن تواجه بأسلوب مبتكر، ويجب إيجاد الحلول والمعالجات المناسبة للملفات المهمة بعيداً عن الأسلوب التقليدي.
يواجه الاقتصاد العراقي حربين، حرب النفط والحرب على "داعش"، كيف تواجه وزارة التخطيط هاتين الحربين؟
اعتادت وزارة التخطيط أن تطلق خطة تنموية كل خمس سنوات. ونحن اليوم نعمل على تطبيق خطة 2013-2017، هذه الخطة وضعت مؤشرات الاقتصاد العراقي وكان المموّل الرئيسي لها هو النفط، باعتبار أن أسعاره كانت مرتفعة وكذلك وارداته. ولكن صدمة انخفاض أسعار النفط وصدمة "داعش" بدأتا تستنزفا كثيراً من الميزانية الاستثمارية للدولة، ما جعلنا نعيد النظر بهذه الخطة، فتحوّلت من خطة تنموية إلى خطة إصلاح، وهذا يتطلب منّا مراجعة كل المشاريع التي أطلقتها الحكومة.ففي العام 2014 كان هناك أكثر من تسعة آلاف مشروع مدرج منذ الخطة الاستثمارية التي تموّل من الحكومة وكانت تكلفة هذه المشاريع أكثر من 250 مليار دولار. وقد اضطررنا إلى إعادة النظر بهذه الخطة وحذف المشاريع التي هي في طور الإحالة أو المشاريع المتأخرة أو تلك التي تكون نسبة إنجازها قليلة. بالإضافة إلى ترشيق بعض المشاريع ودمجها وإلى تجميد بعض المشاريع خصوصاً في المناطق الساخنة بحيث انتهينا إلى اعتماد ما يُقارب 4 آلاف مشروع وتنفيذها مستمرّ لغاية اليوم.
هذه الإجراءات وفّرت الكلفة. كذلك طرحنا حزمة من الحلول للإيفاء بالتزاماتنا تجاه الشركات الموردة، عبر تحويل بعض المشاريع إلى فرص استثمارية للمستثمرين أو بإمكان الجهة المنفذة الحصول على تمويل معين للمشاريع مع ضمانة وزارة المالية في تسديدها كمشاريع المستشفيات مثلاً. وأعطيت الأولوية للمشاريع ذات نسب الإنجاز العالية والتي تحمل قيمة مضافة للاقتصاد العراقي.
هذا جزء من خطة الإصلاح، بالإضافة إلى أنّنا بدأنا بتشجيع القطاع الخاص من خلال اعتماد حزمة سياسات محدّدة، كمثل إعطاء المصارف الحكومية المتخصّصة (العقاري، الإسكاني والزراعي) مبلغ خمسة ملايين دينار عراقي لتمويل المشاريع المتخصّصة بالإضافة إلى اعطاء المصارف الأهلية مبلغ مليار دولار كقرض من البنك المركزي العراقي لتمويل مشاريع صغيرة. إنّها سياسات اتبعناها لمواجهة صدمة انخفاض أسعار النفط وصدمة "داعش".
هل تعني هذه السياسات التوجّه نحو الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟
طبعاً وتتجه الحكومة العراقية اليوم نحو بناء شراكة بين القطاعين العام والخاص. وبالإضافة إلى تعديل قانون الاستثمار وقانون الشركات العامة الذي ينظّم هذه العلاقة، وضعنا في موازنة العام 2015 مادة تنصّ على إعطاء الوزارات والمحافظات والجهات غير المرتبطة بالوزارات حقّ التوسّع بالاستثمار. وقد شكّلت لجنة برئاسة وزارة التخطيط والمالية والجهة المستفيدة لكي تضع تعليمات مرنة لتنفيذ فرص الاستثمار.
من يتحمّل مسؤولية المخاطر قي عملية الشراكة بين القطاعين؟
في جميع الأحوال القطاع الخاص لن يدخل بمجازفة غير مضمونة النتائج، وبالتالي سنحاول قدر الإمكان إعطاء الضمانات للشريك في القطاع الخاص للدخول في الشراكة. ومن المؤكّد أنّ القطاع الخاص يبحث عن الفائدة والأرباح. وهو يدرك أنّ هذه الفرص الاستثمارية، حتى وإن كان هناك هامش من المجازفة بسبب الوضع الأمني، ولكن بالتأكيد له مردود مرتفع جداً.
الاقتصاد العراقي يعتمد على 95% من عائدات النفط ألا توجد لديكم خطط لتغيير بنية هذا الاقتصاد وتحويله نحو قطاعات منتجة صناعية، زراعية، سياحية وغيرها...؟
لقد تمّ اقرار استراتيجية تطوير القطاع الخاص، وقد ركّزت هذه الاستراتيجية على تطوير هذه القطاعات. القطاع الزراعي له الأولوية باعتبار أنّه يؤمّن فرص عمل كثيرة. بالإضافة إلى أنّ القطاع الصناعي وكذلك الزراعي هما من القطاعات الواعدة ولديهما فرص كبيرة جداً في العراق. وجزء منهما يتمتع بسياسات حمائية إن لجهة الحماية الجمركية أو الضريبية يضاف إلى ذلك مسألة المواصفات. كل هذه القضايا نأخذها في الاعتبار. ونحن نعتبر أنفسنا في بداية حقبة جديدة في الاقتصاد العراقي.
هل تتوقعون من خلال هذه الحقبة الجديدة نموّاً اقتصادياً جديداً، وما هي نسبة النموّ المتوقعة؟
لا نستطيع أن نعطي رقماً دقيقاً خصوصاً وأنّ هناك ثلاث محافظات خارج قدرتنا على إجراء المسوحات فيها، لكن نأمل أن ترتفع نسبة النموّ خلال السنوات المقبلة.
برأيكم ما هو حجم الإنفاق الحكومي على الاستثمار؟
كنّا نطمح أن نصعد بنسبة الموازنة الاستثمارية التشغيلية إلى 40% ولكن بسبب تراجع أسعار النفط تراجعت هذه النسبة اليوم إلى أقل من 25%.
أين تكمن مراكز قوّة هذا الاستثمار؟
لقد حدّدنا القطاعات التي ستأخذ من اهتمامنا فقطاع النفط والكهرباء له الأولوية، ثم القطاع الزراعي وتليه القطاعات الأخرى.
تعليقات الزوار