"قدّي صارت الليرة؟" هذا هو السؤال اليومي الأكثر تداولاً على لسان كل مواطن لبناني يترقب ما سيؤول إليه الوضع الاقتصادي في لبنان. حديث الليرة وصرفها، وربما انهيارها، بات الشغل الشاغل، بالرغم من أن مخاوف اللبنانيين لا تقتصر على تغيّر سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، بل تتعداه إلى الخوف على مستقبل الوضع الاقتصادي ككل، مع الأخذ بالاعتبار وضع المصارف اللبنانية اليوم وما تعانيه من ضغوطات وعقوبات أميركيةباعتبارها إحدى وسائل الحرب الحديثة. لا شك في أن لبنان يمرّ في أصعب مرحلة اقتصادية لم يشهدها من قبل، وسط أحاديث عن إفلاس الدولة ومؤسساتها من جهة،وتخوّف من تراجع تصنيف لبنان اقتصادياً من جهة أخرى.وبطبيعة الحال، لا يمكن إغفال الواقع الذي يفيد بأنّ المشاكل السياسية التي لطالما أصابت لبنان قد أرست حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي. هذا فضلاً عن عجز الحكومات المتعاقبة عن وضع رؤية اقتصادية شاملة للقطاعات كافة. ولكن للأسف في العقود الأخيرة لم يعرف الوطن سوى مزيد من العجز في ميزان المدفوعات، وفي الميزان التجاري، بالإضافة إلى الارتفاع في تكلفة الدين العام. وفي الآونة الأخيرة، ومع تفاقم العجز وما رافقه من فقدان الدولة قدرتها على الصرف، إضافةً إلى نقص العملات الأجنبية.
من الضروري تثبيت سعر صرف العملة
إذا كان المجتمع اللبناني قد استطاع تخطّي الأزمات عبر التاريخ، فكيف سيستطيع التعامل مع المشكلات الاقتصادية الجديدة، لا سيما أن الاقتصاد الوطني مرتبط بالدولار، هذا عدا عن أن كل ما يتم استيراده يُسعّر بالدولار، ليتفاقم العجز في ميزان المدفوعات وليرتفع الدين بالدولار أيضاً. إذاً، منعاً للانهيار، لا بدّ من الإبقاء على تثبيت سعر الصرف على ما هو عليه، وإلا أدّى ذلك إلى تبعات اجتماعية وأمنية تهدّد مجتمعاً بأسره، إذ إن أي ارتفاع لسعر الصرف في الوضع الراهن سوف يتسبّب بكارثة اجتماعية، أولها التضخّم بالأسعار، لأنّ الاقتصاد اللبناني يقوم على الاستيراد من دون أن يصدّر، فترتفع بالتالي أسعار السلع بالعملة الأجنبية، في مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطن، بسبب تراجع سعر صرف الليرة. نأمل من الدولة لجم أي نوع من استغلال للوضع الراهن وأي تلاعب بأسعار صرف الليرة، فمن غير المسموح السعي إلى المضاربة لجني الأرباح على حساب المواطنين
صندوق النقد الدولي يراقب ويترقّب
إزاء هذه المرحلة الخطرة التي تعصف بلبنان، يتوقّع خبراء صندوق النقد الدولي أن تتراجع موجودات النقد الأجنبي (الاحتياطات الأجنبية) لدى مصرف لبنان من 36.5 مليار دولار في عام 2018 إلى 15 مليار دولار في عام 2024، بالإضافة إلى تراجع في تغطية هذه الموجودات لفاتورة الاستيراد من 12.7 شهراً في العام الماضي إلى 6.1 أشهر في عام 2023، كما لن تغطّي بعد 5 سنوات سوى 11.5% من الديون الخارجية قصيرة الأجل و9.6% من الودائع بالعملات الأجنبية لدى القطاع المصرفي. وتكمن الخطورة في هذا الأمر في عدم إفصاح المصرف المركزي صراحةً عن صافي أصوله الأجنبية، وفي عدم إعلانه عن موجوداته بالعملات الأجنبية أصولاً وودائع وأوراقاً ومشتقّات مالية وسندات دين طويلة الأجل. فلا بدّ للمصرف المركزي، في سبيل تثبيت سعر الصرف، من أن يضمن توفر الاحتياطيّات الأجنبية الكافية للحفاظ على سعر صرف الليرة. وهذا ما يحرص على ملاحظته صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية ووكالات التصنيف الائتماني.فوفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي، وبحسب الاستنتاجات الأولية التي خلص إليها خبراء الصندوق في ختام زيارتهم الأخيرة بمقتضى المادة الرابعة تتطلب تقوية الاقتصاد اللبناني العمل ضمن ثلاثة مجالات:
1- وضع خطة متوسطة الأجل للمالية العامة تهدف إلى تحقيق فائض مالي أوّلي كبير ومستدام من شأنه تخفيض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي بصورة تدريجية مطّردة.
2- إجراء إصلاحات هيكلية أساسية لتعزيز النمو والقدرة التنافسية الخارجية، بدءاً من تحسين الحوكمة وتنفيذ خطة إصلاح قطاع الكهرباء وتوصيات "رؤية لبنان الاقتصادية".
3- اتخاذ إجراءات لزيادة صلابة القطاع النقدي من خلال تعزيز الميزانية العمومية لمصرف لبنان ومواصلة بناء رؤوس الأموال الوقائية لدى البنوك.
تعليقات الزوار