أنجز مركز الدراسات الاقتصادية في فرنسَبنك دراسة حديثة عن قطاع المياه في لبنان تحت عنوان "السياسات والإجراءات المطلوبة لمواجهة تحديات الأمن المائي في لبنان". تسلّط الدراسة الضوء على الثروة المائية المتاحة، والمشكلات التي تواجهها، وترسم آفاق تطور جانبي العرض والطلب على الموارد المائية، وتقترح سياسات وإجراءات تحسّن إدارة هذه الموارد وتنميتها من أجل تحقيق أمن مائي مناسب في لبنان. وتشير الدراسة إلى أن المياه المتجدّدة في السنة المتوسطة تقدّر بنحو 4.1 بليون متر مكعب، منها 1 بليوناً تعبر الحدود اللبنانية، و0.4 بليوناً تذهب إلى البحر، ممّا يجعل الموارد المائية المتاحة نحو 2.7 بليوناً تتوزع بين مياه جوفية (0.5 بليوناً) وسطحية (2.2 بليوناً). كما تشير الدراسة إلى أن إجمالي الموارد المائية السطحية والمستخرجة من الآبار الخاصة وعبر السدود تقدّر بحوالي 1.6 بليون متر مكعب، وأن المياه من السدود لا تزيد عن 235 مليون متر مكعب وهي تمثّل نحو %6 فقط من إجمالي الموارد المائية المتجدّدة، مقارنة مع نسبة %295 في مصر و%117 في سوريا. وترى الدراسة أن لبنان يمكن أن يشهد عجزاً مائياً متزايداً خلال السنوات القادمة، في ظلّ تنامي الطلب على المياه والثبات النسبي في حجم عرض المياه. ومن المقدّر أن يزداد الطلب من نحو 1.5 بليون متر مكعب عام 2015 إلى نحو 1.8 بليوناً عام 2035، ممّا سيرفع العجز المائي من نحو 291 إلى 610 ملايين متر مكعب خلال ذات الفترة. وتوضح الدراسة أن متوسط معدل ربط السكان بشبكة المياه العامة لا يتعدى %80، وأن حصة مياه الصرف الصحي والمياه المبتذلة المربوطة بالشبكة العامة لا تتعدى %60، وأن حصة المياه المبتذلة التي تتمّ معالجتها من إجمالي المياه المستهلكة تقدّر بحوالي %8 فقط مقابل نسبة %32 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن %60-70 من مصادر المياه الطبيعية يوجد فيها أنواع مختلفة من البكتيريا، وأن %53 فقط من الأسر اللبنانية الموصولة إلى شبكات المياه العامة تشرب المياه من هذه الشبكات. كما توضح الدراسة أن حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة في لبنان هي بحدود 839 متراً مكعباً في السنة، وهي بذلك أقلّ من مستوى الفقر المائي المحدّد بحوالي 1000 متر مكعب للفرد في السنة. وتعرض الدراسة للإنجازات الأساسية المحقّقة في قطاع المياه خلال السنوات الماضية، منها عملية إعادة إعمار البنية التحتية المائية بعد الحرب الأهلية (1975-1990) وأيضاً بعد حرب إسرائيل عام 2006. هذا إلى جانب وضع وزارة الطاقة والمياه عام 2010 خطة عشرية تحت اسم "استراتيجية قطاع المياه الوطنية" للفترة 2011-2020، ووضع "قانون المياه" لسنة 2000 الذي دمج السلطات المائية الـ 21 وأوجد المؤسسات المائية الإقليمية الأربعة في بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب. كما تعرض الدراسة للمشكلات الأساسية التي تواجه قطاع المياه في لبنان وأهمها: نقص المعلومات الحديثة عن قطاع المياه بكافة مؤشراته، غياب التخطيط الوطني الشامل والسياسات الملائمة لاستغلال واستخدام وحفظ وتنمية الموارد المائية، التشريعات القديمة التي تحكم قطاع المياه وضعف آليات تطبيقها، تشتت المؤسسات والهيئات المائية وضعف التنسيق فيما بينها، النقص في الموارد المالية اللازمة لتطوير موارد مائية غير تقليدية، وتنظيف المياه المبتذلة، وصيانة أنظمة وشبكات النقل والتوزيع للمياه، غياب التعاون التقني بين الدول العربية بالنسبة لاستغلال وتنمية الموارد المائية الجديدة، سياسات التسعير في قطاع المياه تبقى غير فعّالة، مما يشجّع تبذير استهلاك المياه بدلاً من حفظها، التطبيق غير الكامل والبطيء لعملية إصلاح قطاع المياه، وتسييس وتشتت عملية صنع القرارات، وغياب الهيئة الرقابية المستقلة، الاستثمار الضعيف من قبل القطاع العام في قطاع المياه والصرف الصحي، الذي لا يتجاوز %0.4 من الناتج المحلي الإجمالي، الثغرات الموجودة في التشريعات المائية الحالية التي تعوق مشاركة القطاع الخاص في دعم وتمويل قطاع المياه، عدم وجود آلية تنسيق شاملة ومتكاملة بين الجهات الدولية المانحة من حكومات دول وصناديق عربية ودولية بالنسبة لقطاع المياه في لبنان. وتقترح الدراسة عدّة سياسات وإجراءات مطلوبة من الدولة اللبنانية من أجل تحسين وضعية الأمن المائي الوطني خلال السنوات المقبلة، ومن أهمها: تحديث التشريعات والقوانين التي ترعى قطاع المياه مع التركيز على فعالية تطبيقها وأيضاً تفعيل مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال، تحديث خطط وزارة الطاقة والمياه في قطاع المياه والصرف الصحي، تحويل الوكالات والمؤسسات المائية الحكومية الحالية إلى مؤسسات أعمال خاصة مدارة بشكل فعّال، وضع سياسات واستراتيجيات متكاملة وشاملة ومنسجمة للإدارة الفعّالة للموارد المائية وعلى جانبي الطلب والعرض، تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع المياه، لأن جهود كل جهة بشكل منفرد لا تكفي لإصلاح وتطوير هذا القطاع، والتركيز على إقامة السدود الصغيرة والكبيرة لأنها الحلّ الأنجع لحفظ المياه من أمطار الشتاء والثلوج.
تعليقات الزوار