لا يُخفى على أحد إنتشار ظاهرة "الدعارة" في مجتمعنا بشكل لافت خصوصاً بعد أن كشفت وسائل الإعلام النقاب عن شبكة كبيرة من نازحات عربيات، بالغات وقاصرات، يبعن أجسادهنّ على الطرقات بأبخس الأثمان إلى جانب أعمال السرقة والقتل وعلى "عينك يا تاجر" وبتغطية من شبكات تدير هؤلاء النسوة وتحميهنّ أمنياً. هذا الإنفلات اللاأخلاقي غير المسبوق في لبنان، أصبح يهدّد مجتمعنا أمنياً وصحياً. فتيات الهوى منتشرات على الطرقات بكثرة وفي المناطق اللبنانية كافة. أين الأجهزة الأمنية؟ ولماذا لم يتحرّك المسؤولون حتى الآن؟
أسئلة كثيرة تُطرح في ظلّ تنامي هذه الظاهرة اليوم. لذا، قرّرنا أن نسلّط الضوء على مخاطر انتشارها وتأثيرها على مجتمعنا، بهدف توعية المواطنين على المخاطر الصحية أولاً والاجتماعية ثانياً، فنحن بغنى عن انتشار الأمراض والأوبئة وعمليات السرقة والقتل. ولإلقاء الضوء اكثر كان لنا لقاء مع دكتور الطبّ النسائي والتوليد شارل نهرا والمحامي مروان سنّو للاطلاع على سلبيات انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا، وللحديث عن البغاء والدعارة في أحكام القانون اللبناني.
د. شارل نهرا: ظاهرة "الحرية الجنسية" ساهمت في انتشار الأمراض التناسلية بكثرة
تعتبر الأمراض التناسلية الأكثر شيوعاً سواء بين الرجال أو النساء، والبعض منها مُعدٍ ينتقل من شخص إلى آخر خصوصاً بعد الممارسة الجنسية غير الآمنة بين شخص مصاب وآخر سليم، وتتركز إصابة هذه الأمراض في الأعضاء التناسلية ويكون معظمها مصحوباً بأعراضٍ كثيرة مؤلمة تؤثر على بقية أعضاء الجسم.
ما هي الأمراض المنقولة نتيجة ممارسة الجنس غير الآمن؟ وعلى من تقع المسؤولية في هذا الموضوع؟
تنقسم الأمراض التناسلية إلى 3 فئات: الأمراض الخطيرة، المتوسطة والشائعة التي لا تشكّل خطراً على صحة الإنسان وعلاجها بسيط. تنجم الأمراض الشائعة لدى النساء والرجال عن عملية انتقال الفطريات، Vaginose Bactérienne، Gardnerella، وTrichomonas من خلال الممارسة الجنسية غير الآمنة ويمكن علاجها بواسطة الأدوية والمضادات الحيوية والتحاميل. بينما تعدّ الأمراض الخطيرة نسبياً مثل Chlamydia وMycoplasma الأكثر انتشاراً ويصاب بها الرجال كما النساء، لكنها تهددّ صحة المرأة على وجه الخصوص فقد يصاب رحمها بنوع من الالتهابات بسبب تعرّضها لبكتيريا أو لفيروس معين يساهم في انسداد الأنابيب المهبلية بشكل كبير ما يؤدي إلى بروز مشاكل في الخصوبة وحدوث عقم مع مرور الوقت. هذه العوارض السلبية لا يمكن تشخيصها إلاّ من خلال إجراء فحوصات دورية خاصة بالإفرازات للكشف المبكر عن المرض وعلاجه بإستخدام المضادات الحيوية. وهنالك أيضاً مرض Herpesوهو عدوى تؤثر على الأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة وتنتج عنها إلتهابات مهبلية يمكن علاجها بالطرق البسيطة، لكن في حال انخفضت المناعة لدى المرأة بشكل كبير فسيؤدي ذلك إلى الإصابة المتكررة بهذه العدوى. أما بالنسبة إلى الأمراض الخطيرة فهنالك فيروس HPVكونه يسبّب الإصابة بسرطان عنق الرحم لدى النساء وظهورالتآليل Condilon في المهبل وخارجه وعلاجه صعب جداً. لذا، أنصح جميع الفتيات بتلقي اللقاحات اللازمة في سن مبكرة للوقاية من مرض Herpes. وكذلك "السيدا" الذي يعتبر أيضاً من الأمراض الخطيرة حيث يهاجم خلايا الجهاز المناعي فيدمّرها أو يجعلها عاجزة عن القيام بوظائفها في حماية الجسم من الأمراض الأخرى. أما بالنسبة إلى المسؤولية الاجتماعية في انتشار ظاهرة الدعارة والأمراض الناجمة عنها، فأرى أنّ الأسباب الجوهرية تكمن في الإهمال وعدم الوقاية الصحية خلال ممارسة الجماع. لذا، يتوجب على فتاة الهوى أن تواظب على إجراء الفحوصات الدورية من خلال أخذ عيّنة من المهبل للكشف المبكر عن الإصابة بالأمراض المذكورة أعلاه لتلقّي العلاج المناسب قبل تفاقم العوارض. يكمن السبب الرئيسي لإصابة الرجل بالأمراض التناسلية في الحرية المطلقة في إقامة علاقات جنسية كثيرة دون قيود، ما يساهم في انتقال البكتيريا والفيروسات بسهولة تامة بين الرجل والمرأة وانتشارها في المجتمع بوتيرة سريعة. يجب استعمال الواقي الذكري لانه يحمي المرأة من الإصابة بالأمراض التناسلية بنسبة 80% إلى 85%.
المحامي مروان سنّو:تعتبر الدعارة نوعاً من أنواع الإتجار بالبشر يُعاقب عليها القانون اللبناني
للتوسّع أكثر في تحقيقنا، إلتقينا المحامي مروان سنّو الذي اعتبر أن مهنة الدعارة انتشرت بكثرة ضمن بيوت سرية ممّا دفع وزارة الداخلية آنذاك إلى تنظيمها من خلال منح التراخيص لفتح بيوت الدعارة شرط أن تكون غير مخالفة للشروط الصحية أي أن تتمتع فتيات الهوى بصحة جيدة. علماً أن الفتاة المرخّص لها كانت تحصل على بطاقة صحية تثبت خضوعها للفحوصات الطبية مرة كل 15 يوماً، إلاّ أنه في الستينيات، فرض وزير الداخلية الراحل كمال جنبلاط سياسة جديدة للحدّ من مهنة البغاء، وذلك من خلال عدم الترخيص بفتح بيوت جديدة للدعارة، لكن الأمر تغيّر في زمن الحرب الأهلية حيث تمّتممارسة الدعارة دون أي ترخيص، ممّا يعني أنّ الدعارة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي كان لها أصولها وقوانينها حيث كانت بيوت البغاء محصورة في مناطق معينة ضمن شروط مفروضة من قبل وزارتي الصحة والداخلية، ولا يمكن نقلها من مكان إلى آخر إلاّ بإجازة محافظ المنطقة بعد أخذ رأي الشرطة. كما مُنحت "المومس" حرية ترك ممارسة الدعارة ولا يجوز لصاحبة البيت أن تستعمل وسائل الإكراه والتعذيب لاستبقائها، أو أن تضبط ثيابها وحاجاتها الشخصية، حتى وإن كان لها في ذمتها دين مستوجب الأداء.
كيف يمكن الحدّ من ظاهرة الدعارة؟
أعطى القانون الحق لرجال الشرطة (مكتب شرطة الآداب العامة) عند قيامهم بواجب الوظيفة أن يدخلوا بيت الدعارة في أي وقت شاؤوا لمراقبة تنفيذ أحكام القانون. ولكل "مومس" وصاحبة بيت دعارة أو أي امرأة مشبوهة بتعاطي البغاء ملف خاص منظّم لكل بيت دعارة. علماً أنه في وقتنا الراهن تدخل الفتاة الأجنبية إلى لبنان للعمل كأرتيست ولكن نتفاجأ لاحقاً بممارستها الدعارة ومخالفة شروط عملها وإقامتها. وقد نصّ القانون على معاقبة النساء اللواتي يرتكبن في الطرقات أو الشواطئ والمنتزهات والساحات والنوافذ جريمة التحرّش، وكذلك اللواتي يتجمعن في الطرق العامة والأرصفة بقصد إغواء المارة. ولا يجوز أن تقل العقوبة عن ثلاثة أشهر سجناً لدى ارتكاب جريمة التحرّش بالقُصَّر. ويُعاقب بالسجن من شهرين إلى ستة أشهر كل رجل غير ذي مهنة معلومة يثبت أنه يتّخذ القيادة بالإغواء وسيلة للكسب، ويوضع تحت مراقبة الشرطة المشدّدة.وقد حظر القانون أيضاً ممارسة الدعارة السرية حيث اعتبر أن كل امرأة تستسلم لأي كان لارتكاب الفحشاء مقابل شيء من المال وتحاول التملّص من أحكام قانون البغاء، تعتبر بأنها تتعاطى الدعارة سراً، وكل امرأة توجد بحالة الدعارة السرية توقفها الشرطة وتسوقها فوراً إلى التحقيق وإجراء المقتضى القانوني. ويمكن للمحافظ بناء على اقتراح الشرطة إصدار الأمر بإقفال محلات الدعارة السرية ريثما يصدر حكم القضاء بشأنها. كما يحق للمحافظ أيضاً أن يأمر بإقفال كل فندق وبانسيون وقهوة ومسرح ومرقص يستقبل أصحابه نساء ذوات سلوك شائن ويسهّلون ارتكاب الفحشاء فيه، ويُقفل المحل حتى صدور حكم قضائي.
تعمد شبكات عدّة إلى اصطياد فتيات عربيات واستقدامهنّ إلى لبنان للعمل في الدعارة، كيف يُعاقب القانون المتورّطين في ذلك، وكيف يحمي أيضاً ضحايا الإتجار بالبشر؟
تعتبر جريمة الدعارة في القانون اللبناني جنحة حيث يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى عام وبالغرامة من 50 ألفاً إلى خمسماية ألف ليرة لكل من يتعاطى الدعارة السرية أو يسهّلها (المادة 523 عقوبات)، والحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تقلّ عن مئتي ألف ليرة لكل من أقدم إرضاء لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب امرأة أو فتاة دون 21 من عمرها ولو برضاها، أو امرأة أو فتاة في 21 من العمر باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو صرف النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه (المادة 524 عقوبات)، وبالحبس أيضاً من شهرين إلى عامين وبالغرامة من 50 ألفاً إلى 500 ألف ليرة لكل من أقدم باستعماله الوسائل المذكورة في المادة السابقة، على استبقاء شخص رغماً عنه ولو بسبب دين له عليه في بيت الفجور، أو إكراهه على تعاطي الدعارة (المادة 525 عقوبات). ويعاقب بالحبس من شهر إلى عام وبالغرامة من 20 ألفاً إلى 200 ألف ليرة لكل من اعتاد أن يسهل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير، ومن استعمل إحدى الوسائل العلنية لاستجلاب الناس إلى الفجور (المادة 526 عقوبات)، والحبس من 6 أشهر إلى عامين وبغرامة من 20 ألفاً إلى 200 ألف ليرة لكل امرئ لا يتعاطى مهنة بالفعل، ويعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة الغير (المادة 527 عقوبات). وتشدّد العقوبة إذا كان المجرمون الذين سهَّلوا ارتكاب جريمة الدعارة من الأصول الشرعيين أو غير الشرعيين أو أحد الأصهار، أو كل شخص يمارس على المرأة سلطة شرعية أو فعلية. وكذلك إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو يدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه، فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو مستغلاً التسهيلات التي يستمدّها من وظيفته (المادة 529 معطوفة على المادة 506 من قانون العقوبات). تقتضي الإشارة إلى أن القانون اللبناني يُجرّم أيضاً الإتجار بالبشر (المادة 586 وما يليها من قانون العقوبات)، وتعتبر الدعارة نوعاً من أنواع الإتجار وعقوبتها الحبس لمدة 5 سنوات، ودفع غرامة مالية من 100 ضعف إلى 200 ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور في حال تمَّت هذه الأفعال لقاء منح مبالغ مالية أو أي منافع أخرى أو الوعد بمنحها أو تلقيها، والإعتقال لمدة 7 سنوات والغرامة من 150 ضعفاً إلى 300 ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمَّت هذه الأفعال باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجنى عليه أو على أحد أفراد عائلته. كما يتمّ الاعتقال لمدة 10 سنوات ودفع غرامة تتراوح من 200 ضعف إلى 400 ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور وغيرها من العقوبات. كما في جرائم أخرى عدّة، منح القانون الحق للقاضي بتخفيض العقوبة أو الإعفاء منها كلياً في حال المبادرة إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المنصوص عنها في هذا الفصل (الإتجار بالأشخاص) وتزويدها معلومات أتاحت إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخلين فيها أو محرّضين عليها، وذلك إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولاً بصفته مرتكب هذه الجريمة. ويُعفى الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل.و يحق للمتضرّر أن يحرّك بإدعائه دعوى الحق العام إذا لم تحركها النيابة العامة، فهو يستطيع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول في الجناية أو الجنحة، أو أمام القاضي المنفرد في الجنحة والمخالفة، وله أن ينضمّ إلى الدعوى العامة أمام محكمة الجنايات (م 7 أ.م.ج.). في الوقت الراهن، وفيما يتعلق بممارسة الدعارة مع الأجنبيات المنتشرات في مرابع ليلية، تنظّم محاضر بحقهنّ ويرحّلن بعدما يتجاوزن عملهنّ كفنانات إلى الدعارة غير المنظورة. وللأسف، فإن الشخص الذي يدفع المال أو يقدّم أي شيء لممارسة الدعارة، يتم الاستماع إلى إفادته من قبل الضابطة العدلية ولا يلاحق أمام القضاء، إذ حتى تاريخه يخلو القانون من أي مادة تعاقب ذلك، فالمحاكمة تسري فقط بحق "المومس" إلاّ في حال ثبوت توافر شروط المواد المذكورة أعلاه كإغواء فتاة والاتجار بالبشر وغيرها من الأمور، وبالتالي كما يتبيّن فإنّ ممارسة الدعارة موجودة منذ آلاف السنين في دول العالم كافة حيث تجري محاولة تنظيمها لضبطها إنما لم تتمكن حتى أكثر الدول المتشدّدة من منعها.
تعليقات الزوار