لم يسلم القطاع الإعلامي في لبنان من الأزمات الاقتصادية الفتّاكة التي باتت تضرب القطاع تلو الآخر. جرائد تطوي صفحات سنواتها المهنيّة تارةً، ومحطات تلفزيونية تُغلق شاشاتها طوراً. لم يعد للإعلام مُدافعٌ ولا كفيل في بلد القانون، فتحوّل من سلطة رابعة كرّست ساحاتهامنابر وأوراقاً وشاشات للدفاع عن حريات وحقوق الشعب، إلى أخرى منزوعة الصوت تُحارب الفساد باحثةً عن طريقة لكسر الأغلال عنها لعلّ وعسى تستطيع تحصيل أقلّ ما يمكن من حقوقها المسلوبة. الوضع الاقتصادي المتردّي في لبنان لا يخفى على أحد، وبات يتسلّل من قطاع إلى آخر كالسرطان المستشري في عروق البلد النابضة بالحياة ليقتل معه كل خلايا الأمل بوطن أفضل ومستقبل واعد. كل إعلامي اليوم يشعر بالتهديد المباشر، فمن لحظة تخرّجه من الجامعة تبدأ التساؤلات باجتياح عقله هل اختار الاختصاص الخاطئ؟ هل سيجد عملاً يحتويه وكفاءته أم سيخسر حبّه وشغفه لتخصّصه في طريق البحث؟ مؤسسات إعلامية عريقة باتت تقفل الواحدة تلو الأخرى بعد وقوعها بعجز مالي، فهي لا تجد مموّلاً لا من الحكومة ولا من الشركات التي باتت هي أيضاً بحالة يرثى لها.
من المسؤول عن تردّي وضعنا ومن سيحلّ أزمة الصحافة المكتوبة؟
الدولة مشغولة بأمور عدّة وغافلةٌ عن وضعنا المتأزم، وللأسف تتناسى قيمة ودور هذا القلم الذي لطالما خطّ وواكب أخبار السياسيين ونشرها في المجتمع المحلّي والدولي. جريدة تلو الأخرى تُقفل وتزيد من نسبة البطالة في مجتمعنا أكثر فأكثر، وللأسف لم تُصغِ حكومتنا إلى نداء كل هذه الجرائد والمجلات التي استنزفت كل طاقتها وقوتها حتى الرمق الأخير، بل إنصرفت إلى تخصيص ميزانية طائلة لتلفزيون لبنان الرسمي، ولم تفعل شيئاً لمساعدة المطبوعات ولو بجزء بسيط من الموازنة الماضية والمقبلة، فخَسر لبنان أحد أهمّ مصادره الموثوقة والمؤثرة في الرأي العام. مؤسسات إعلامية أخرى كثيرة مهدّدة بالإقفال إن لم يَحدث تغيير جذريّ في واقعها الأليم، فعلى النقابة أولاً وفي ظلّ قرار إلغاء وزارة الإعلام أن تدافع عن مصالح الصحافة المكتوبة لعدم خسارة منابر مهمّة أخرى، وعلى المعنيين أيضاً وضع خطّة لتحسين واقع قطاع الإعلام وتخصيص ميزانية له لتمويل المجلات والجرائد المهمّة والمعترف بها منذ سنوات والتي تقوم بدفع كل ما يتوجب عليها لوزارة المالية والنقابة، وبذلك تستمرّ هذه المطبوعات الشريفة في تأدية رسالتها حتى لا تصبح منسيّة كغيرها أو مُستبدلة بهواةٍ ادّعوا الصحافة ودخلوا إلى العمل الإعلامي عبر المواقع الالكترونية دون خلفيّة إعلامية واضحة، وبات الناس مع الأسف ينجرّون خلف آرائهم التي تنمّ في غالب الأحيان عن الإنحطاط الفكري والثقافي، فهم اليوم يحدثون ضرراً جسيماً بالرسالة السامية التي لطالما نادى بها كل إعلامي شريف يمتلك ضمير المهنة الحي، لكن لن تُحلَّ مشكلة إنتشارهم جذرياً إلاّ بوضع قانون ينظّم عمل هذه الصحافة الالكترونية التي تنبت كل يوم دون حسيب أو رقيب.
تعليقات الزوار