غالبية أطفال لبنان هم ضحايا التنمّر المدرسي
تُعدّ ظاهرة التنمّر من المشاكل الشائعة والخطيرة في مدارسنا اليوم حيث أصبحت تهدّد سلامة الطلاب وتمنعهم من تحقيق تفوّقهم الدراسي وإقامة صداقات جديدة مع زملائهم. كما ويخلّف التنمّر آثاراً سلبية على كل من الضحية والمعتدي، فضحايا التنمّر يمكن أن يعانوا من مشاكل عاطفية وسلوكية على المدى الطويل بسبب شعورهم بالوحدة والاكتئاب والقلق والتراجع في تقدير الذات، ويمكن أن يتعرّضوا في المستقبل لأمراض مرتبطة بالضغط النفسي قد تؤدي في ظروف معيّنة إلى الانتحار. أما بالنسبة إلى المتنمّرين فهم أكثر عرضة لتناول الكحول أو الإدمان. وللاسف يجهل الأطفال الآثار السلبية لهذه الظاهرة، فغالباً ما يخفون عن ذويهم ومعلميهم معاناتهم من التنمّر بسبب شعورهم بالخجل أو لعدم وصفهم بالجبناء، فحصدت بذلك ظاهرة التنمّر المدرسي أرقاماً مخيفة لحالات مرضية عدّة كالاكتئاب والإنتحار ومشاكل عاطفية وسلوكيات عدوانية. لذا، أجرينا مقابلة مع الأخصائية النفسية هلا حافظ لتطلعنا على ماهية هذه الظاهرة وكيفية التصدّي لها.
أسباب التنمّر المدرسي بين الطلاب
تُعرّف د. هلا حافظ التنمّر بوصفه شكلاً من أشكال العنف الذي يلحق ضرراً بالآخرين، وبأنّه سلوك عدواني نتيجة عدم توازن القوى بين المتنمّر والضحية من الناحية البدنية أو النفسية أو كلتيهما، وينقسم التنمّر إلى 3 أشكال رئيسية هي: التنمّر اللفظي ويشمل الإغاظة والسخرية والاستفزاز والتعليقات غير اللائقة والتهديد، التنمّر الجسدي الذي يشمل الضرب والعنف والصفع والطعن وغيرها من طرق الإيذاء البدنية، والتنمّر العاطفي من خلال إطلاق الشائعات والأكاذيب، إرسال الرسائل الجارحة، الإساءة للآخرين والإحراج الدائم.تتّسم علامات التنمّر بالمؤشرات التالية: رفض الذهاب إلى المدرسة، الشعور بالقلق، فقدان الشهية، اضطرابات في النوم، الصداع وآلام في المعدة وحالات من الخوف والذعر. أما بالنسبة إلى الأسباب الرئيسية التي تؤدّي إلى شيوع ظاهرة التنمّر في المدارس فهي: أولاً، الأسباب الأسرية التي تلعب دوراً بارزاً في انتشار ظاهرة التنمّر والمتنمّرين في المدرسة، نتيجة طريقة التربية الخاطئة واستخدام أسلوب العقاب الصارم والعنف مع الأطفال. لذا، يتوجّب على الأهل دعم أطفالهم وتعديل سلوكهم الخاطئ ومراقبتهم بشكل دائم، لأنّ الطفل عادةً ما يتأثّر بالبيئة المحيطة به خصوصاً بالخلافات والصراعات العائلية والعنف الأسري. ثانياً، الحياة المدرسية الخاطئة، فغياب دور المدرسة في توجيه الطّلاب وتعليمهم أهمية الاحترام يؤثر سلباً على تربية الطالب وتقويم أخلاقه، كما وأن اهتمام المدرسة بتعليم طلابها المناهج النظرية الروتينية فقط وعدم تنمية مهارات الطلاب الرياضية والفنية والاجتماعية، يساهم أيضاً في ظهور عدد كبير من الطلاب المتنمّرين في المدرسة، لأنّهم لا يجدون أية وسيلة لتفريغ طاقاتهم الكبيرة سوى عن طريق إلحاق الضرر والأذى برفاقهم. بينما السبب الثالث لانتشار حالة التنمّر يعود إلى تكنولوجيا الاتصال و الإعلام، فالأفلام المنتشرة اليوم على هذه الوسائل والمواقع الإلكترونية تشجّع على فكرة أنّ البقاء دائماً للأقوى وأنّ العنف ضروري للسيطرة على الآخرين، ما يؤثر سلباً على نفسية الطلاب الذين يتابعون هذه الأفلام ويتقمّصون شخصيات أبطالها ليطبّقوا ما يشاهدونه على زملائهم في المدرسة. إلى جانب ذلك، تعتبر الألعاب الإلكترونية آفة إجتماعية أخرى تحرّض بشكل مباشر أو غير مباشر على فكرة العنف والقوّة الخارقة، لذا يؤثّر إدمان الأطفال على هذه الألعاب الضارّة سلباً على نفسيتهم وشخصيتهم. أما السبب الأخير للتنمّر فيعود إلى المظاهر السيكوسوسيولوجية، حيث أشارت دراسات علمية حديثة إلى أنّ غالبية المتنمّرين الأطفال ينحدرون من أوساط وأسر فقيرة، ويعيشون في وضع سوسيولوجي يتميّز باتساع الهوّة والفوارق بين الطبقات الاجتماعية، فينشأ الأطفال على الحرمان والجوع ليلجأوا في سنّ المراهقة إلى تشكيل عصابات إجرامية تمارس أعمال العنف والشغب والسرقة والقتل.
آثار خفية للتنمّر
يؤدّي التنمّر المدرسي إلى حدوث مشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية لدى الطالب على المدى البعيد تتمثل بإنخفاض تقدير الذات، الانطوائية، الوحدة والعزلة، رهاب إجتماعي، التعرّض للإساءة والتحرّش، الانسحاب من الأنشطة المدرسية والإجتماعية، وتراجع الأداء المدرسي. يلجأ الطالب نتيجةً للتنمّر إلى سلوك عدواني وقد يتحوّل هو نفسه مع الوقت إلى متنمّر أو لإنسان عنيف أو قد يقوده التنمّر إلى الانتحار. في هذا السياق، أكّدت د. هلا حافظ أنّ المتنمّرين ليسوا بمعزلٍ عن هذه العوارض، بل هم أكثر عرضةً للاضطرابات السلوكية وللفشل في حياتهم المستقبلية ولارتكاب الجرائم في سنّ مبكرة.
وسائل علمية للتخلّص من ظاهرة التنمّر
أوضحت د. حافظ أنّ التخلّص من ظاهرة التنمّر يبدأ أولاً من المنزل عن طريق معرفة الأسباب الكامنة وراء ظهور حالة التنمّر لدى الأطفال، وذلك بالتعاون بين الأهالي والمرشد الاجتماعي في المدرسة وإدارتها. في هذا الإطار، نصحت د. حافظ الأهالي تعليم أطفالهم كيفية مواجهة المتنمرين وعدم الاستماع لهم، والتواصل مع أخصائي المدرسة والمدير من خلال إتّباع أساليب علمية منها: تقديم معلومات عن سلوك المتنمّر داخل المدرسة أثناء التجمّعات، إتسام التقارير بالخصوصية والسرية التامة لتدريب الطلاب على احترام الآخرين وتقديم التوعية الكاملة عن ظاهرة التنمر للتعامل معها، زيارة آباء الطلاب المتنمّرين لتوعيتهم على ضرورة إخضاع أولادهم لبرامج علاجية للحدّ من السلوك العدواني لديهم. في المقابل، يترتّب على المدرسة أيضاً تدريب أساتذتها على آليات معينة للحدّ من التنمّر المدرسي كإقامة دورات تثقيفية للأطفال عن أضرار هذه الظاهرة وطرق التخلّص منها، وتعليم الطلاب المبادئ الأساسية والقيم الأخلاقية والإنسانية التي يجب التمسّك بها وتطبيقها، والعمل على نشر المحبة ومشاعر الأخوة بين الطلاب في المدرسة من خلال مشاركتهم في الأعمال التطوعية والجماعية والفنية، لتنمية مهاراتهم وتهذيب سلوكهم وتعزيز روح التعاون والمحبة فيما بينهم.
التنمّر المدرسي يزيد من خطر الإصابة بالبدانة
أشارت دراسة حديثة إلى أنّ الطلاب الذين يتعرّضون للتنمّر في المدرسة هم أكثر عرضة للإصابة بالبدانة في المستقبل مقارنةً مع غيرهم ممن يحظون بشعبية كبيرة بين الزملاء، وأوضح معهد الطب النفسي وعلم النفس والأعصاب في لندن أنّ دراسات قليلة توضّح العلاقة بين التنمّر والصحة الجسدية للطلاب، حيث كشفت إحداها أنّ الأطفال الذين يتعرّضون للتنمّر هم أكثر قابلية بمرتين لزيادة الوزنمقارنةً مع غيرهم بغض النظر عن العوامل الوراثية، وذكرت أيضاً أنّ 28% من الأطفال تعرّضوا للتنمر في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، في حين أنّ 13% من الأطفال تعرّضوا للتنمّر طوال المراحل الدراسية.
تعليقات الزوار