أحدث تشكيل حكومة الدكتور حيدر العبادي العراقية، جوّاً من الإيجابية والإرتياح بين بغداد وأربيل، من المؤمل أن تعزّز أجواء التفاؤل بينهما، بعد الزيارة المتوقعة لوفد كوردي رفيع المستوى برئاسة رئيس وزراء إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد، والتي تبقى مرهونة بمدى ما يتحقق على الأرض من وعود كان قد قطعها العبادي على نفسه مع بدء تشكيل حكومته العتيدة.

وتأمل كوردستان بنجاح العملية السياسية، وقد مهّدت لذلك من خلال مشاركة الوزراء الأكراد في حكومة العبادي، وتفهّمها للمخاطر والتحديات التي تواجه العراق اليوم، إلاّ أنّها في المقابل تتطلّع إلى أن تنظر حكومة بغداد ورئيسها بعين المساواة إلى العراقيين من دون تمييز، وهو ما لم تلحظه الوقائع ولم تتخطّ مستوى الوعود حتى الآن، وقد أتاح الكورد فرصة لحكومة بغداد حدّدت بمهلة 3 أشهر غير قابلة للتجديد لتسوية الأمور العالقة بين الطرفين على الصُعد كافة.

وتبقى المسألة الأهم لكوردستان، وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على تشكيل حكومة بغداد الجديدة، أولوية فكّ القيد عن الموازنة التي لا تزال في أدراج الحكومة والتي لم ترسل إلى البرلمان حتى الآن، رغم اقتراب نهاية الفصل التشريعي الأول، مع ظهور بعض الملامح الإيجابية من خلال بدء لجنة وزارية ومتخصّصين ماليين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، سلسلة من الإجتماعات لوضع الأولويات ومعالجة التحدّيات التي تواجهها الموازنة.

وتبرز أهمية الموازنة في المرحلة الدقيقة والحسّاسة التي تمرّ بها المنطقة والعراق، مع استمرار ربط عدم إطلاق رواتب موظفي الإقليم ومستحقات البيشمركة الذين يسطّرون ملاحم بطولية ويخوضون أشرس المعارك في مواجهة المجموعات الإرهابية التي توسّعت في مناطق عدة من العراق، وباتت تشكّل خطراً حقيقياً داهماً يطال الجميع دون استثناء. ممّا يستوجب الإسراع في ايجاد الحلول وإقرار الموازنة والإنتهاء من تسوية الخلاف النفطي بين الإقليم والمركز، الذي لا يتمّ إلاّ عبر الحوار الهادىء.

إنّ المخاطر المتزايدة على اقليم كوردستان وآخرها تنظيم "داعش" تظهر مدى شراسة هذا التنظيم امام الشعب الكوردي، بشكل واضح، كما صرّح رئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي رأى بأنّ "داعش" ليس متطرّفاً من الناحية الدينية فقط، بل إنّ اكثر عناصره يحملون التطرّف الديني والتطرّف القومي العنصري معاً.

ومن منطلق المسؤولية الملقاة على عاتق اقليم كوردستان ورئيسه وشعبه، استُنهضت القوى الكوردية لنصرة إخوانهم الكورد في مدينة عين العرب "كوباني" في سوريا. وعقب إجتماعات ثنائية وثلاثية عدة بين مسؤولي الإقليم والولايات المتحدة الأميركية وتركيا، تمّ الإبلاغ رسمياً عن موافقة تركيا على انتقال قوات من البيشمركة إلى عين العرب، وتقديمها التسهيلات اللازمة لذلك، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية لهذه الخطوة، بعد أن أعرب الرئيس بارزاني في تواصله مع قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي الكوردي السوري، عن استعداد اقليم كوردستان إرسال قوة كبيرة من البيشمركة إلى "كوباني".

وفي خط موازٍ لم تثنِ العمليات العسكرية حكومة اقليم كوردستان عن متابعة مشاريع التنمية والإنماء، فقد وافقت الحكومة أخيراً على خطة تطوير حقل نفطي جديد، وأعطى وزير الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم الضوء الأخضر لخطة تطوير امتياز "آكري" "بجيل" المجاور لحقل شيخان أكبر حقول النفط في الإقليم، وذلك بعد عام على اكتشاف شركة MOL  المجرية كميات كافية من النفط الخام تعطي المشروع جدوى تجارية، وتشارك "جلف كيستون بتروليوم" في المشروع بحصة بسيطة، على أن ينفذّه الشريكان على مرحلتين، تبدأ أولاهما على الفور، وتركّز على بلورة بعض التفاصيل التي تتناول حجم النفط الذي يمكن استخراجه وإجمالي التكاليف.

ومن جهة أخرى، يظهر جلياً مدى إنعكاس الإنتصارات التي حقّقتها قوات البيشمركة في العديد من المدن والقرى التي كان تنظيم "داعش" قد سيطر عليها على الحدود المُحاذية للعراق، وقد أرخت انجازات البيشمركة بظلالها الإيجابية على الحركة الإقتصادية وانتعاشها من جديد، وعودة النشاط لدى الكثير من المستثمرين في مدينة اربيل.