الإختلاف طبيعة بشرية، فكل إنسان لديه قدرات وتوجهات فكرية وعقلية مختلفة عن الآخر له الحق في التعبير عنها بحرية تامة. هذا الإختلاف في الرأي والمعتقدات لا يعني بالضرورة الإساءة إلى الآخر وهدمه إنسانياً أو الإعتداء عليه أو تقرير مصيره، بل هي ثقافة تقبّل الآخر التي مع الأسف لم نعتد على تطبيقها في مجتمعنا العربي كوننا ندين الإختلاف ونقدّس التبعية والإستنساخ الفكري. يوجد في مجتمعنا اللبناني اليوم أعداد كبيرة ممن يصفهم البعض بـ "المختلفون" يعيشون في الظلّ مختبئين من مجتمعٍ يرجمهم بالحجارة والنعوت السيئة بسبب قلّة الوعي وعدم الاعتراف بوجود "الآخر المختلف" وتقبّله كما هو.
لكن، من الذي قال إن الاختلاف بين الناس نقمة؟ ومن أعطانا الحق بأن نقيّم الآخرين بعد أن جعلنا الله شعوباً وقبائل مختلفة؟
أثارت هذه القضية موجة كبيرة من التساؤلات وانقسمت حولها الآراء بين مؤيدٍ لسيادة الحرية الشخصية وتطبيقها على نطاق واسع، ورافضٍ بالمطلق لممارسة القناعات الذاتية بعيداً عن قيود الجهل والتخلّف. استمرّ هذا التباين في التوجهات الفكرية إلى أن أتى الإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان ليضع الإصبع على الجرح ويتحدّى المألوف في برنامجه "أنا هيك" على قناة "الجديد"، الذي كان بمثابة "قنبلة" هزّت الوسط الاجتماعي من خلال الحوارات التي أجراها مع حالاتٍ مُستجدة على فكر المجتمع اللبناني والشرقي عموماً.
هذا الإعلامي المخضرم صاحب الخبرة الواسعة في التقديم والحوار التلفزيوني الراقي خاض غمار البرامج الاجتماعية الأكثر جدلاً من بابها الواسع، وحارب برسالته الهادفة حرّاس الفضيلة وأولئك الذين يدّعون الكمال وينصبّون أنفسهم أسياد الرعية. في كل حلقة يستضيف نيشان أشخاصاً مختلفين عن محيطهم وغالباً مرفوضين في مجتمعهم بسبب ميولهم الجنسية أو معتقداتهم وخياراتهم المختلفة، ليتحدثوا عن أنفسهم بكل ثقة واعتزاز وليبرهنوا قدرتهم على مواجهة هذا المجتمع العليل الذي يقمع حرياتهم ويحدّ من إندماجهم مع الآخرين.
من خلال أسلوب نيشان الفريد والمتميّز، نال البرنامج شهرة واسعة خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من بعض الردود السلبية التي انتقدت بشدّة طريقة طرح هذا الموضوع والجرأة غير المتوقعة التي يتحلّى بها ضيوفه، إلاّ أنّ غالبية المتابعين إعتبروا أن برنامجه يندرج ضمن إطار حرية التعبير التي هي حقّ من حقوق أي مواطن لبناني. هكذا فرض الإعلامي نيشان على المجتمع اللبناني مفاهيم جديدة قلبت الموازين الاجتماعية رأساً على عقب، بعدما أتاح لهؤلاء المختلفين فرصة ذهبية للظهور إلى العلن والتحدّث عن أنفسهم بحرية مطالبين باقي المجتمع بتقبّلهم واحترامهم، على غرار الدول الأوروبية التي تحترم الإنسان مهما اختلفت ميوله الجنسية.
تعليقات الزوار