تُجمع معظم الآراء التي واكبت حملة سلامة الغذاء، ومكافحة الفساد المستشري، والتي أطلق عجلتها وزير الصحة وائل أبو فاعور وشاركت فيها لاحقاً وزارات الإقتصاد والتجارة، الأشغال العامة، المالية والصناعة، على أنّ التلوّث الغذائي لم يشكل مفاجأة صادمة للبنانيين، الذين شهدوا على مرّ السنين والعقود الماضية على تقاعس الدولة وأجهزتها الرقابية في تأمين بيئة غذائية سليمة، وكسر جبروت المتحكمين بقوت الناس ولقمة عيشهم.
وأثبتت الوقائع أنّ الإستهتار بتطبيق القوانين، منذ ما بعد الحرب، وبسط سلطة الدولة على المرافق الحيوية ومعابرها ومداخلها، البرية، البحرية والجوية، سمح لذوي النفوذ باستغلال الثغرات لتحقيق الأرباح بشتّى الوسائل غير المشروعة، وتغطية جرائم الفساد التي يعاقب عليها القانون.
كما وأثبتت الوقائع، بعد أن طالت الحملة أكثر من 1000 مؤسسة، بالإضافة إلى بعض مرافق الدولة، عدم صحة وسلامة غذاء المستهلك في الأسواق اللبنانية، بخلاف ما يتم تصديره من صناعات تعتمد بالضرورة المواصفات ومعايير الجودة في منتجاتها. وتالياً الفساد المتعمد لدى أصحاب النفوذ والمال، وارتباطهم الوثيق ببعض مراكز السلطة السياسية، التي تؤمّن لهم الغطاء والحماية كركيزة أساسية يستندون اليها في تمرير الصفقات وتسويقها دون حسيب أو رقيب.
ولعلّ اللافت في الحملة المذكورة، ولا بدّ من الإشارة إليه في هذا المجال، أنّ الوزير أبو فاعور قد استند إلى غطاء سياسي غير مسبوق من رئيس حزبه النائب وليد جنبلاط، ما عزّز صموده في وجه الأعاصير التي واجهته.
وعلى الرغم من الإيجابيات التي حقّقتها الحملة، إلاّ أنّها عكست تراجعاً واضحاً في قطاع المطاعم والسياحة الذي كان متأثراً بالأوضاع الأمنية ومتراجعاً بما يزيد عن 25% مقارنة بالعام الذي سبقه.
يبقى أنّ نجاح عملية مكافحة الفساد وحملة سلامة الغذاء، يتوقف على مدى استمرار العملية، وتحويلها إلى مؤسسة تعتمد الشفافية والنزاهة وتطبيق القوانين، بعيداً عن التسلّط السياسي، وعدم طيّ ملفاتها عند أول تغيير للحكومة. كما يستلزم الأمر بالضرورة، إلتزام المؤسسات والمصانع الغذائية والمرافق كافة بمعايير الجودة والسلامة الغذائية، لتحقيق أمن غذائي، وبيئة نظيفة تعيد ثقة المواطن بسلطة القانون، وبناء أسُس جديدة تعزّز ثقة السياح بلبنان ومؤسّساته.
رئيسة التحرير
رانيا ميال
تعليقات الزوار