أكّد أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح أنّ زيادة رأسمال المصارف اللبنانية سوف تدفعها للقيام بواجباتها في رفع العمليات المصرفية في السوق العراقي، ولفت الى أنّ المصارف اللبنانية كانت السبّاقة في الدخول الى العراق كونها تتمتّع بسيولة مرتفعة وهي لا تنافس المصارف العراقية بتاتاً. وأشار فتوح الى مشكلة الديون المتعثّرة التي تواجه القطاع المصرفي العراقي وارتفاع حجم الديون المشكوك بتحصيلها وأمور اخرى في خلال الحوار التالي:
هل خطوة البنك المركزي العراقي برفع رأسمال المصارف اللبنانية العاملة في العراق إلى 50 مليون دولار، هدفها الحدّ من المنافسة للمصارف المحلية؟ وماذا يعني ربط رأسمال المصارف الأجنبية بنسبة معينة من رؤوس اموال المصارف العراقية؟
أودّ أولاً أن أشير إلى أنّه وفي مسعى لانفتاح القطاع المصرفي العراقي على القطاع المصرفي الأجنبي وتشجيعه على الدخول إلى السوق العراقي وفتح فروع له، أو عبر المشاركة في رؤوس أموال مصارف عراقية، منح البنك المركزي العراقي خلال العام 2008 (بموجب القانون 94) إجازات لأكثر من 18 فرعاً لمصارف أجنبية، وإجازات لمصارف لبنانية عديدة هي بنك الشرق الأوسط وأفريقيا، بنك بيبلوس، بنك البحر المتوسط، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، البنك اللبناني الفرنسي، وانتركونتيننتال بنك، بنك الاعتماد اللبناني وفرنسبنك.إلاّ أنّ أزمة نشأت في تشرين الثاني 2014، حين أصدر البنك المركزي قراراً ألزم فيه المصارف الأجنبية العاملة في العراق برفع رأسمال كل فرع عامل من 7 ملايين دولار إلى 70 مليوناً، وهو ما يعادل 30% من رأسمال المصارف العراقية، وبذلك، فقد ضاعف 10 مرات الحدّ الأدنى للأموال الخاصة التي يتعيّن أن يحوزها كل فرع لمصرف أجنبي، تحت طائلة إقفال الفرع وتصفيته. الأمر المُلفت هو ربط رأسمال المصارف الأجنبية بنسبة ثابتة من رأسمال المصارف المحلية، وهو ما يؤدي بالتالي إلى آثار مستقبلية طويلة الأجل لهذا القرار. وكان مبرّر البنك المركزي بأن هذه الخطوة سوف تساهم أولاً في زيادة نشاطات المصارف الاجنبية بعد حيازتها لرأسمال أكبر، وثانياً تعزيز المنافسة بينها وبين المصارف المحلية، بسبب الفرق بين متطلبات رأسمال كل من الفئتين. ولم يطلب البنك المركزي في قراره التنفيذ الفوري، بل أن يتم تحقيق رأس المال المطلوب على مرحلتين: الاولى زيادة رؤوس الأموال الى 35 مليون دولار بحلول نهاية حزيران 2015، والثانية زيادة مماثلة قبل نهاية العام 2016. مع الإشارة إلى أن قرار البنكالمركزي العراقي جاء نتيجة لمطالبات من المصارف العراقية بوضع ضوابط للمنافسة من قبل المصارف الاجنبية. وكان من مبرراتها عدم التزام دول المصارف الاجنبية العاملة في العراق بمبدأ "المعاملة بالمثل" فيما خصّ رؤوس أموال فروع المصارف الأجنبية لديها. يضاف إلى ذلك إشارة بعض المصارف العراقية إلى أن رأسمال فروع المصارف الأجنبية في العراق هو في الحقيقة "رأسمال تشغيلي"، وبذلك، فإنّ زيادة رأسمال تلك الفروع إلى 70 مليون دولار، سيزيد السقف الائتماني لها، وهو ما يزيد مستوى المنافسة بينها وبين المصارف العراقية.وقد أدّى هذا القرار إلى مخاوف لدى المصارف الأجنبية وبالأخص المصارف اللبنانية التي لديها الانتشار الأوسع والعدد الأكبر من الفروع في العراق من مفاعيله، وبخاصة بسبب ربط رأسمال المصارف الأجنبية في العراق بنسبة ثابتة من رأسمال المصارف العراقية، وهو ما يعني أنّه كلما زاد رأسمال هذه الأخيرة، يتوجب على المصارف الأجنبية زيادة رأسمالها أيضاً. وأثمرت المفاوضات بين البنك المركزي العراقي من جهة والمصارف اللبنانية من جهة أخرى إلى "حلّ وسط"، حيث أبلغ المصرف المركزي المصارف اللبنانية العاملة في العراق موافقته أولاً على خفض رأس المال المطلوب من 70 مليون دولار إلى 50 مليوناً، وثانياً على "تقسيط" الزيادة المطلوبة على مدى سنتين، بحيث يتوجب على المصارف تسديد 20 مليوناً قبل نهاية العام 2016 و30 مليوناً قبل العام 2017. مع الملاحظة أن القسط الأول المتوجب هذه السنة موجود فعلاً لدى البنك المركزي العراقي. وللإشارة، فقد كان القرار الأول للبنك المركزي العراقي قد حدّد زيادة الـ 70 مليون دولار مقابل فتح عدد غير محدّد من الفروع لكل مصرف لبناني في العراق، إلاّ أنّ القرار الأخير بتخفيض الزيادة إلى 50 مليون دولار، يسمح للمصارف بفتح 15 فرعاً كحدّ أقصى. أودّ أن أضيف أخيراً إلى أنّ زيادة رأسمال المصارف اللبنانية سوف تعزّز قدرة المصارف الأجنبية وتحديداً اللبنانية على النهوض بواجباتها في رفع العمليات المصرفية في السوق العراقي وزيادة قدرتها على التنافس مع المصارف العراقية في تمويل النشاط الإقتصادي.
كيف يمكن التعامل برأيكم مع الديون المتعثرة من قبل البنك المركزي العراقي؟
أصبحت مشكلة الديون المتعثرة من أهم المشاكل التي تواجه القطاع المصرفي العراقي في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة. وبحسب البنك المركزي العراقي، ارتفع حجم الديون المشكوك بتحصيلها من حوالى 2,361.1 مليار دينار العام 2014 إلى 3,079.7 مليار دينار العام 2015. وبلغ حجم التعثرات الإئتمانية للمصارف الحكومية نحو 2,068 مليار دينار (67.1% من الإجمالي) العام، مقابل 1,825.3 مليار دينار (77.3% من الإجمالي) العام 2014. أما المصارف الخاصة، فارتفع حجم القروض المشكوك بتحصيلها لديها من 535.8 مليار دينار (22.7% من الإجمالي) العام 2014 إلى 1,012.2مليار دينار (32.9% من الإجمالي) العام 2015. بلغت نسبة الديون المشكوك بتحصيلها 7% من إجمالي الإئتمان النقدي في المصارف العراقية الحكومية بنهاية العام 2015، مقابل 13% في المصارف الخاصة. ووصلت نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي القروض إلى أكثر من 80% في خمسة مصارف خاصة. وتشكل هذه النسب عبئاً على الإستقرار المالي والمصرفي في العراق، حيث أدى إنخفاض الودائع لدى المصارف وزيادة عدد المصارف المتعثرة إلى إنخفاض الإحتياطي القانوني للمصارف العاملة في العراق بنسبة 10.5% خلال العام 2015 بالإضافة إلى توقّف بعض المصارف عن منح القروض ما يضعف النشاط الإقتصادي في بلد يعتمد إقتصاده على الإيرادات النفطية. وبحسب التقرير السنوي للإستقرار المالي في العراق، إرتفعت نسبة الديون المتعثرة لدى معظم المصارف بسبب عدم الإستقرار الأمني في العراق وإنخفاض القدرة المالية للمقترضين، وهبوط قيمة الضمانات، وهجرة الكثير من المقترضينإلى خارج العراق، ما يتطلب تدخل الدولة وتكليف الدوائر الخارجية بملاحقة المقترضين، وضرورة إعادة هيكلة المصارف الحكومية بالتعاون مع البنك الدولي. ومن الجدير بالذكر قيام المصرف المركزي العراقي بحثّ المصارف على التوجه إلى السوق عبر السماح لها بتقديم القروض المشتركة بشرط عدم تجاوزها النسب القانونية المحددة، وتكثيف الرقابة على القروض الكبيرة، ووضع الإحتياطات المالية المناسبة لمواجهة مخاطر القروض المتعثرة، ومنح إجازة لشركة الكفالات المصرفية والتي تقوم بضمان القروض المقدمة من المصارف الخاصة ولغاية 250,000 دولار.
هل تعتقدون أن المصارف العراقية قادرة على منافسة المصارف التجارية اللبنانية؟
إن المصارف التجارية اللبنانية موجودة في العراق منذ العام 2007، وتعمل اليوم فروع لـ 9 مصارف لبنانية هي البنك اللبناني الفرنسي، بنك البحر المتوسط ، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك بيبلوس، وإنتركونتيننتال بنك، بنك الإعتماد اللبناني، فرنسبنك، بنك لبنان والمهجر، بنك الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى مكتب تمثيل لبنك بيروت. كما بدأ بنك عوده بتأسيس فروع له في العراق. وعلى الرغم من أن المصارف اللبنانية كانت السبّاقة في الدخول إلى السوق العراقي كونها تتمتع بسيولة مرتفعة تسمح لها الإستثمار في فروع خارجية، إلا أنها لا تنافس المصارف العراقية من حيث القروض والودائع، فظروف العمل الصعبة تجعل عمل المصارف الأجنبية ومنها اللبنانية معقداً نظراً لمحدودية إمكانات السلطات النقدية البشرية والمهنية ولمحدودية ثقافة وخبرة العملاء المصرفية، لذا يقتصر عمل المصارف اللبنانية في العراق على تمويل التجارة ( Trade Finance)، وفتح الإعتمادات المستندية وإصدار خطابات الضمان من دون منح القروض والتسليفات للعملاء، وذلك لإنعدام إمكانية الإستعلام من السجل التجاري بالإضافة إلى غياب مركزية للمخاطر. وفي ظل الإنتشار الواسع للمصارف اللبنانية في العراق على الرغم من الظروف التشغيلية الصعبة، من الضروري نقل تجربة المصارف اللبنانية إلى القطاع المصرفي العراقي، نظراً لخبرتها الواسعة في العمل الصرفي ونجاحها في تجاوز الأزمات خصوصاً في بيئة عالية المخاطر.
تعليقات الزوار