لن نقول الكلمة الشائعة "بالزمانات" لنعرّف عن حقبة قديمة للأجيال السابقة التي كانت قائمة أيام البركة.
نرى هذه الأيام أننا في حالة خضرمة بين الأجيال القديمة والجديدة، بين التقاليد والعادات والتطور والتكنولوجيا، بين الأمس والغد… متأرجحين بين حبال المنطق والمبالغة وليس فقط حبال الزمن الماضي.
الحياة منذ البدء مبنية على التطوّر السكاني الذي يولّد مجتمعات وبيئات تخلق تلقائياً سُبلاً ووسائل للتعارف بين الناس وخاصة بهدف التقارب العاطفي للإرتباط، وهذه بطبيعة الحال لا تعدّ ظاهرة فحسب إنما وقائع مثبتة، إلاّ أنّ الإطار الذي يحيط هذه الحالات ممكن أن يتغيّر بالأشكال والألوان. أصبحت وسائل التعارف واسعة لأبعد حدود.
يمكننا ذكر بعض الأمثلة حتى في المناطق المحافظة أو القرى النائية، وحتى في الزمن السابق عندما كانت الفتيات ينتظرن وقت الغسيل على النهر ليمرّ الشبان قربهنّ وهم ذاهبون للعمل في الحقل، فيتبادلون نظرات الإعجاب، كون هذه اللقاءات من الحالات المتوفرة آنذاك. أما المدن والمناطق الأكثر إنفتاحاً فكانت الوسائل تزداد مع أماكن العمل والأسواق والمتاجر بالإضافة إلى المقاهي و الحدائق العامة أو النوادي الليلية التي كونها الأسهل مجالاً للتعارف دون التحفّظ عن ذكر أنها كانت مادة دسمة للنقد الإجتماعي، وما نلبث أن نقول: "يرحم هيديك الإيام" حتى يتّضح لنا ذلك حقاً، حين كان التواصل الإجتماعي ملموساً وأكثر منطقية.
ففي هذا العصر لا داعي للمقابلة المباشرة للتعارف حين تقترب المسافات من خلال الشاشات الالكترونية لتصل الاشخاص ببعضهم البعض، فيكفي في هذه الأيام تحضير ملف خاص مزوّد بالمعلومات الشخصية المرغوب الإعلان عنها (صحيحةً كانت أم خاطئة) مُرفقة بصورة تعريفية. هذه التقنيات راجت على شبكات facebookوtwitterإلخ... وما لبثت أن انتقلت من شاشة الحاسوب إلى الهواتف النقالة لتتزايد نسبة المنتسبين لهذه البرامج أو التطبيقات وأصبحت أكثر سرعة وانتشاراً مع تقنية 3Gو 4Gالحديثة التي أصبحت كالوباء المنتشر، أما البرنامج أو التطبيق الأكثر رواجاً فهوWhatsapp. إنه برنامج للتواصل بين الأقارب، الأصدقاء والزملاء بأقل كلفة من المخابرات وحتى الرسائل النصية، كما إنه يعتبر وسيلة ترفيهية تمتاز بتقنيات سهلة وعملية من حيث تبادل الحديث، إرسال صور أو تسجيلات صوتية وتداول النكت والأخبار والأهم الإتصال المتلازم مع الحبيب.
إلاّ أنه لا يمكننا صرف النظر عن كونه أهم مصدر من مصادر مضيعة الوقت كونه وسيلة لهو مناسبة للإنشغال عن العمل، الدرس، العائلة والمسؤوليات كما هو وسيلة مثالية لتناقل الإشاعات والأخبار الخاطئة حتى المُضرّة والمُشينة منها.
مع ذلك ووفقاً للإحصاءات، أصبح whatsapp من أكثر وأسرع وأسهل طرق التعارف، خاصة بعد إحداث هذا البرنامج وتزويده بإمكانية عرض الملف الشخصي مع الصورة، ممّا يخوّل كل المشتركين في هذه الخدمة الإطلاع على معلومات الشخص المنشود من خلال رقم هاتفه. فيكفي تحفيظ الرقم في جدول الأسامي ليكون ذلك بطاقة مرور لحرمة الشخص وخصوصيته الوهمية، ولسهولة هذه العملية عواقب كثيرة تفوق التعارف الطبيعي بين شاب وفتاة بأشواط، فيمكن لشاب أن يعثر على رقم فتاة من خلال برنامج آخر كالـTRUE CALLERأوNUMBER BOOK، فيحفظ الرقم في ذاكرة هاتفه فيتبيّن له ملف الفتاة إذا كانت مشتركة بالـ whatsappفيحاول محادثتها والتعرّف إليها في حال لم تردعه.
لا يقتصر الموضوع على هذا فحسب إنما أصبح بالإمكان تجربة أرقام عشوائية ومراقبة الصور والتحرّش بالمنتسبين بحجج وهمية، دون أن ننسى انتشار التحرشات الجنسية أو الإهانات أو التهديدات. لن نغفل عن ذكر أكثر سبب للخلاف بين الأزواج، المتحابين والأصدقاء وهو LAST SEEN الذي يحدّد آخر لحظة لاستعمال هذا البرنامج.
هذا whatsapp الذي يملك هوية إلكترونية رائجة يعكس شخصية الفرد ويطغى على طبعه وتصرفاته، فينصح استعماله بحكمة ليكون تسهيلاً لأمور مفيدة وليس مادة جديدة للإدمان، ومع التطور، يقول المثل الجديد: whatsapp كالمرأة لا يمكن العيش معه ولا يمكن العيش من دونه...
تعليقات الزوار