عالم الطب حافلٌُ بأطباء أعطوا للمهنة جلّ وقتهم وجهدهم حتى أثمر تعبهم إنجازات ضخمة. الاختصاصي في الجراحة العامة التنظيرية وجراحة البدانة الدكتور أنطوان كاشي هو أحد هؤلاء الأطباء الذين أحرزوا نجاحات باهرة في مجال عملهم، حيث تمكّن بالتعاون مع فريق طبّي كبير من استئصال المرارة عبر المهبل، ما شكّل ثورةً في مجال العمليات الجراحية. مجلّة "رانيا" التقت دكتور كاشي، الذي تحدّث عن المراحل التي سبقت هذا الإنجاز. أمّا البدانة والعوامل المؤدية إليها فقد نالت الحيّز الأكبر من الحوار الغني الذي شمل فوائد الجراحة بالمنظار، بالإضافة إلى نوع العمليات الجراحية الآمنة والمعترف بها دوليّاً التي تساهم في إنقاص الوزن.
كيف تُعرّف السمنة وما مدى تأثيرها على صحة الإنسان؟
إنّ السمنة مرض مزمن يجتاح العالم وينعكس سلباً على نفسية الإنسان وصحته. أمراضٌ كثيرة تنتج عن السمنة، أهمّها السكري، إرتفاع ضغط الدم، إرتفاع الكوليسترول، توقف التنفس خلال النوم، أمراض القلب، أمراض سرطانية عديدة مثل أورام القولون والثدي والمبيض والبروستات والمعدة، بالإضافة إلى أمراض المفاصل وتأخّر الإنجاب عند النساء واضطرابات الدورة الشهرية. وقد تؤدي السمنة إلى الوفاة المُبكرة بحسب ما أكّدت دراسات علمية عدّة.
كيف يتمّ تشخيص السمنة وما هي العوامل المؤدية إليها؟
مؤشر كتلة الجسم أو ما يُعرف بـBody Mass Index هو أفضل الوسائل المتعارف عليها عالمياً لقياس السمنة، وهو عبارة عن وزن الإنسان بالكيلوغرام مقسوماً على مربع الطول بالمتر. إذا كان المعدّل أقلّ من 18,5 يكون الوزن تحت المعدّل الطبيعي. يتراوح معدّل الوزن المثالي بين 18,5و25، ويكون الوزن زائداً حين يتراوح بين 25و30. هناك أيضاً سمنة من الدرجة الأولى في حال تراوح المعدّل بين 30 و35. أما السمنة من الدرجة الثانية فيتراوح معدّلها بين 35 و40، في حين أنّ معدّل السمنة من الدرجة الثالثة يتخطّى الأربعين. أما العوامل التي تؤدّي إلى الإصابة بالسمنة فتتنوّع، من بينها العامل الوراثي، العامل البيئي والعامل النفسي حيث يؤثر الإكتئاب على كمية الطعام التي نتناولها. ولكن يبقى تناول سعرات حرارية كثيرة السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى السمنة المفرطة.
ما هي الحالات التي تنصح فيها مرضاك باللجوء إلى العمليات الجراحية لإنقاص وزنهم؟
هناك شرطان أساسيان لإجراء هذا النوع من العمليات وهما: أولاً، إذا كان معدّل كتلة الجسم ((BMIيتخطّى الأربعين. أما في الحالة الثانية، فيجب أن يكون الـBMIأكثر من 35 مترافقاً مع وجود أحد الأمراض المصاحبة للسمنة مثل داء السكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو إرتفاع الكوليسترول..
بالإضافة إلى ذلك وقبل إجراء العملية الجراحية، على الطبيب التأكّد من أنّ السمنة ليست ناتجة عن قصور في عمل الغدد الصماء، ففي هذه الحالة يجب معالجة المشكلة الأساسية.
ما هي العمليات الجراحية المُعترف بها دولياً والتي تساهم في تخفيض الوزن؟
تقسّم العمليات الجراحية التي تصنّف في خانة العمليات الآمنة إلى ثلاث وهي:
1 – ربط المعدة أو ما يُعرف بالحلقة ((Gastric Banding، حيث يتمّ وضع الحلقة حول الجزء العلوي من المعدة.
2- تكميم المعدة أو ما يعرف بقص المعدة ( Sleeve Gastrectomy)، حيث يتمّ استئصال الخلايا التي تفرز هرمون Ghrelin المسؤول عن زيادة الشهية.
3- عملية تحويل مسار المعدة ((Gastric by pass وتقوم على تحويل مجرى المعدة.
أيّ من هذه العمليات تعدّ الأفضل على المدى الطويل؟
تعتبر عملية تكميم المعدة أو ( Sleeve Gastrectomy)من أحدث وأنجح العمليات الجراحية للتخلّص من السمنة المفرطة. حالياً، إنّها أكثر العمليات شيوعاً في معظم أنحاء العالم وذلك بعد مرور 15 عاماً على إجراء أول عملية في الولايات المتحدة عام 2000. فبعد أن أثبتت العملية فاعليتها وقدرتها على التخلّص من الوزن الزائد ، زادت نسبة إجرائها أضعافاً خلال السنوات العشر الماضية.
ما هو سبب هذا الإنتشار السريع لعملية التكميم أو ( Sleeve Gastrectomy)؟
تُعتبر عملية تكميم المعدة آمنة اذا تمّ إجراؤها في مراكز متخصّصة وعلى أيدي جرّاحين مهرة، لذلك فهي تجذب اهتمام الراغبين في التخلّص من الوزن الزائد. هذه العملية تحصد نتائج باهرة، حيث تؤدي إلى تقليل كمية الأكل من خلال تقليل الشهية. ومن أهم ميزاتها إمكان إجرائها خلال وقت قصير، ما ينعكس إيجاباً على تقليل مضاعفات التخدير، والبقاء في المستشفى لفترة قصيرة تتراوح بين اليوم واليومين.
كيف تجري عملية تكميم المعدة؟
إجراء العملية يتمّ بواسطة المنظار الجراحي عن طريق خمسة ثقوب لا تتعدى السنتيمتر الواحد ويتمّ إغلاقها بشكل تجميلي. وبعد استئصال الجزء الأكبر من المعدة، أي حوالي 75 إلى 85% منها، يتمّ إزالة الجزء المنفصل من المعدة إلى خارج الجسم ما يساعد المريض على الحدّ من كمية الطعام التي يستطيع تناولها، كما تُستأصل الخلايا التي تفرز هرمون Ghrelin المسؤول عن زيادة الشهية.
ما هي نوعية الدباسات المُستخدمة في عملية تكميم المعدة بالمنظار؟
هذه الدباسات مصنوعة من معدن التيتانوم الذي لا يسبّب أي عوارض جانبية أو أي تأثير سلبي على جسم المريض، وهي أميركية المنشأ وتًستخدم في أميركا وأوروبا على حدّ سواء. وجود هذه الدباسات لا يتعارض مع التصوير بالرنين المغناطيسي ولا يشكّل أي عائق في دخول المطارات.
تجيز هذه الجراحة خسارة 60 إلى 70 % من الوزن الزائد خلال مدة تتراوح بين 6 و 8 أشهر.
كنت أوّل من أجرى عملية جراحية لاستئصال المرارة بالمنظار عبر ثقب واحد في الصرّة ومن ثمّ عبر المهبل. حدّثنا عن المراحل التي مرّ بها هذا الإنجاز الطبي.
مرّت عمليات استئصال المرارة بثلاث مراحل قبل بلوغ المرحلة الرابعة التي شهدت استئصال المرارة عبر المهبل.
المرحلة الأولى أٌنجزت عبر الجراحة التقليدية أو ما يُعرف بعملية الشق، أعقبتها المرحلة الثانية التي تمّت من خلال استئصال المرارة بالمنظار بواسطة ما بات يُعرف بعملية الثقوب الأربعة. أما المرحلة الثالثة فهي جراحة المنظار بواسطة ثقب واحد عبر الصرّة وتُعرف بالـSILS . أجريت هذه العملية في لبنان في 14 أيلول عام 2009 في مستشفى رفيق الحريري الجامعي. أما العملية التي أحدثت قفزة نوعية في عالم الطبّ فتمثلت باستئصال المرارة بالمنظار عبر المهبل أو ما يُعرف بالـ Notesوالتي تعني Natural Orifice Transluminal Endoscopic Surgery . وتعدّ هذه العملية إنجازاً كبيراً لأنّها أكثر سهولة مقارنةً مع العمليات الأخرى إذ لا نضطرّ إلى المرور عبر أعضاء تصعب إعادة ختمها، كما أنّ المريض يتعافى بعدها بسرعة، بالإضافة إلى ذلك فإنّ نسبة نجاحها مضمونة.
أشعر بالفخر لتحقيق هذا الإنجاز في مستشفى ومركز بلفو الطبي، وقد جاء نتيجة جهد حثيث ودراسات مكثفة من قبل أصحاب الإختصاص، ما أدّى إلى هذه النتائج المبهرة.
بالحديث عن الإنجازات، تعدّ حملة سلامة الغذاء إنجازاً كبيراً شمل مختلف القطاعات الغذائية والصحية. ما رأيك بما حققته الحملة حتى الآن؟
إنّها حملة ممتازة بكلّ المقاييس، أتمنّى أن تُستكمل حتى النهاية خصوصاً بعد أن بلغت أشواطاً متقدمة. إيجابيات هذه الحملة تكمن في إيلاء مصلحة المواطن الأولوية، وذلك انطلاقاً من أهمية الملف الذي فُتح على مصراعيه، فصحة اللبنانيين ليست ألعوبة بيد أحد. الأهمّ في الموضوع أنّ الحملة ترجمت مبدأ الرقابة إلى حقيقة، فتمّت محاسبة المؤسسات المخالفة التي استهترت بحياة الناس على الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها طوال السنوات الماضية.
تعليقات الزوار