قانون الانتخابات هو الشأن الأهمّ في حياتنا الوطنية، وهو القضية المركزية التي تحكم سواها من القضايا. فهو الأداة المعوّل عليها لإنتاج سلطة وطنية تكرّس الثوابت وتصون وحدة الشعب وتساهم في قيام الدولة العصرية القادرة على صناعة مستقبل اللبنانيين. لقد مارس اللبنانيون منذ نشوء نظامنا السياسي البرلماني العديد من القوانين الانتخابية، إلاّ أنّها كانت تعزّز المحاصصة والانقسامات والعصبيات بدلاً من صياغة قوانين تسمح بتجديد الحياة السياسية وتفعيل دور المؤسسات الديمقراطية وتكريس وحدة الشعب والقرار.
لا يأتي القانون المنشود من فراغ، ولا من التقاء الرغبات والمصالح، وإنما يخضع لمحاججات قانونية، سياسية، اجتماعية واجتهادات كثيرة. كما لا يجب أن يتناقض القانون مع مبادئ الدستور في الديمقراطية التي ارتضاها اللبنانيون ووافقوا عليها. النظام الديمقراطي بالرغم من التشوّهات التي تلحق به من جرّاء الممارسات الكيفية، يبقى النظام السياسي الأفضل الذي تُجمِع عليه الأطياف اللبنانية كافة، وترى فيه نظام الحكم الوحيد القادر على صون التوازنات الدقيقة ورعاية حقوق الفئات المكوّنة للمجتمع اللبناني والحفاظ على الأمن والاستقرار. وهو بالفعل نظام الحكم الملازم لقيام الدولة العصرية المتطوّرة، ولإنشاء سلطة تستمدّ شرعيتها من الشعب، وتمارس دوره السيادي بواسطة ممثلين يختارهم المواطنون ويوكلون إليهم حقّ صياغة القوانين والإشراف على تطبيقها وتحقيق الخير العام لمصلحة الشعب. الانتخابات اللبنانية هي أساس العملية الديمقراطية في الأنظمة البرلمانية، فلا ديمقراطية سليمة إذا كانت القوانين الانتخابية قاصرة عن إيلاء الدور السيادي للشعب لمنظومة سياسية تمثل المواطنين بشكل صحيح وواعٍ. وهذا يستدعي اختيار الممثلين في ضوء مشروعهم ومصداقيتهم وكفاءتهم، وبمعزل عن الانجراف الطائفي أو الارتباط الزبائني أو المؤثرات والمغريات. من هنا، نتمنّى على اللبنانيين أن يمارسوا حقهم في يوم الاستحقاق بوعيّ ومسؤولية، فهم أولاً وأخيراً أصحاب القرار في إيصال نواب المستقبل إلى سدّة برلمان الغد، وبناءً على اختيارهم هذا يحدّدون مستقبل لبنان إن كان فجراً جديداً أو إحياءً لتاريخ قديم غير مرغوب فيه.
بقلم: د. نزار يونس
من كتاب برلمان الغد
تعليقات الزوار