تتهاوى جبال لبنان الشامخة أمام مرأى الجميع، وأحدٌ لم يحرّك ساكناً لمواجهة تشويه جمال لبنان وطبيعته. وحوش آليّة تقضُم جبال لبنان، وتأكل المساحات الخضراء فيه، ما أدّى إلى تراجعها وتقلّصها، ولم تتمكّن حكومتنا من إقرار مخططٍ توجيهيّ شامل للكسارات والمرامل. تُعتبر هذه الظاهرة سلاحاً ذا حدّين، إذ تشكّل ضرورة للبنان من أجل عمليات البناء والإعمار من جهة، وضريبة مستحقّة لما تتركه من آثار سلبية على الطبيعة والإنسان من جهة أخرى.
التطوّر التاريخي لتنظيم عمل الكسارات
إنّ ظاهرة الكسارات ليست جديدة، لكنّها لم تكن في الماضي بهذه الوحشية التي نشهدها اليوم. تعدّدت التشريعات المتعلّقة بالمقالع والكسارات من قوانين إلى مراسيم، وتبدّلت السلطات المعنيّة بإعطاء التراخيص.تعود بداية التشريع البيئي المتعلّق بقطاع المقالع والكسارات في لبنان إلى الثلاثينيات بوجود قانون لاستثمار المقالع (قرار 253/ل.ر)، وقد تألّف ممّا يزيد عن 60 مادة، تشمل جوانب تنظيم القطاع كافةً، بالرغم من أنّ هذا القانون لم يعد يُعمل به، بالنظر إلى صدور نصوص تشريعيّة أخرى مثل قانون التنظيم المدني لعام 1983، والذي أُلغي مفعوله عندما أخضع الترخيص لشروط وقواعد تُحدّدها المديرية العامة للتنظيم المدني، بالاشتراك مع الإدارات المعنيّة، ضمن مرسوم تطبيقي يُتّخذ في مجلس الوزراء. وقد اكتملت هذه الحلقة بصدور المرسوم 8803/2002 وتعديلاته عام 2009 لتنظيم المقالع والكسارات.
جبال لبنان الشامخة... تتهاوى من دون رقيب أو حسيب
لا يُمكن إخفاء أهميّة المرامل والمقالع والكسارات في أعمال البناء إلاّ أنّها بالرغم من ميزاتها تبقى وحوشاً مفترسة، تقضُم الجبال، وتُلحق أضراراً جسيمة بالبيئة على العموم، وبصحة وسلامة المواطن على وجه الخصوص. تتصاعد من هذه المقالع والكسارات كميات كبيرة من الرمال، ما يتسبّب في تدنّي مستوى الرؤية وبوقوع الحوادث المرورية، فضلاً عن المخاطر الصحية، ومنها زيادة معدّلات الإصابة بالأمراض الصدرية لدى الأطفال وكبار السنّ، مثل الربو والحساسية، وغيرها من الأمراض الخبيثة والمميتة، بالإضافة إلى التلوّث السمعي والبصري والتهابات العيون والجلد. أما بالنسبة إلى المخاطر البيئية فتتمثّل في تدمير الطبيعة وتصحّر الأراضي، سواء أكان ذلك بشكل مباشر، عبر اقتلاع الصخور والتربة، أو بشكل غير مباشر، عبر انتشار الغبار الذي يتسبّب باختناق الأشجار والنباتات وإلحاق خسائر بالتنوّع البيولوجي، إضافةً إلى ما ينتج عن التفجيرات من تشقّق في المنازل وخزانات المياه وتصدّع في طبقات الأرض وزحل أماكن سكنية وزراعية وإحداث مشاكل كالضجيج وتلوّث الهواء والمياه الجوفية والسطحية وتشويه المناظر وتخريب شبكات الطرق وانخفاض قيمة العقارات المجاورة لها. هذه الآثار مجتمعة تؤثر سلباً في عمليّة التنمية البشرية المستدامة، أي تمتّع الأجيال المقبلة بالاستفادة من الموارد الموجودة على سطح الأرض.
تدابير مقترحة لعمل الكسارات
إنّ تنظيم عمل المرامل والمقالع والكسارات يكمن في وضع مخططٍ توجيهي وطني وشامل، يتضمّن حلولاً تقنية، إدارية وبيئية لمعالجة وضع الكسارات التي تعمل بطريقة بعيدة عن المعايير والشروط البيئية، والتي تسبّب أضراراً جسيمةً في المناطق المحاذية لها جغرافياً، بالإضافة إلى وضع خريطة جغرافية، تشمل وتحدّد المناطق التي يمكن الاستثمار فيها في مجال المرامل والمقالع والكسارات، وتكليف شركات هندسية متخصّصة في إعداد دراسات علمية تنظيمية للرقابة والتنظيم وإعادة التأهيل. كذلك يجب التشدّد في إعطاء رخص لإنشاء الكسارات وفرض غرامات مالية عالية عند مخالفة القوانين، خصوصاً البيئية منها، والالتزام بتنفيذ المراسيم الموضوعة لعمل الكسارات وتعديلها بما يتناسب مع الوضع الراهن.
تعليقات الزوار