الوضع المالي في لبنان يُثير القلق، فيما طبّقت الحكومة زيادات ضريبية عدّة ضمن قانون ضرائبي جديد أقرّه مجلس النواب، وموازنة جديدة هي الأولى منذ أكثر من عقد. مدير عام وزارة المالية آلان بيفاني تناول مُجمل هذه التطوّرات وتحدّث عن أبرز التحديات المالية التي يواجهها لبنان.
على صعيد الدين العام والعجز في الموازنة، ما هو وضعنا اليوم؟
الوضع المالي لا يمكن فصله عن الوضع الاقتصادي، لأنّ أرقام المالية العامة تتأثّر بنسب النمو وتوزيع الدخل. في الوقت الحاضر نلحظ عجزاً مرتفعاً نسبياً يناهز %8 من الناتج القومي. أما الفائض الأولي فيتوقع في نهاية العام الحالي أن يكون 1674 مليار ليرة أي ما يوازي 1.2 من الناتج القومي، وهذا الرقم يُعتبر أفضل من المتوقّع، وهذا يعني أن الأحوال المالية مقبولة أكثر ممّا كانت متوقّعة.أمّا العجز الإجمالي المُنتظر فهو 6095 مليار ليرة في آخر العام الجاري. ولكن علينا أن نترقّب ماذا سيحدث في السنوات القادمة، بعد إقرار السلسة الضريبية، ولكن في الوقت نفسه سنلحظ ارتفاع وتيرة الإنفاق ونحن نعلم أنّ %71 تتوزّع بين خدمة دين وبين رواتب وأجور ومساهمة للكهرباء المرشّحة أيضاً للارتفاع من خلال السيناريوهات التي سيتمّ تطبيقها. ولكن لا شيء يدلّ بعد على أنه في السنة المقبلة سنبدأ بتخفيض المساهمات لمؤسسة كهرباء لبنان.كما نلحظ ارتفاعاً في الرواتب والأجور ونفقات تعويضات نهاية الخدمة وهذا مرتبط بالتوظيف الذي تستمرّ به الدولة اللبنانية بوتيرة عالية، كل سنة آلاف من الناس يتمّ إدخالهم إلى القطاع، وأكثريتهم إلى القوى المسلحة والتربية وقليل منهم باتجاه الإدارة، ولكن هذه الأحجام ترتب مبالغ كبيرة طبعاً. ليس السؤال هل نحن بحاجة إلى هذه الأحجام أم لا؟ ولكن هو واقع سيرتب هذا الإنفاق.وبالنسبة لخدمة الدين، فنحن نعرف منذ الآن أنه في العام 2018 ستكون خدمة الدين حوالي 750 مليار ليرة وهيأعلى من عام 2017 بسبب التراكم الميكانيكي للدين العام، مع العلم أننا في السنوات الماضية حسّنا كلفة الدين العام بالنسبة للآجال، واستطعنا على الرّغم من الأحوال غير الجيدة في المنطقة أن نطيل آجال المحفظة ونصدر بالدولار لمدة 20 سنة وبالليرة اللبنانية لمدة 15 سنة، وأن نحافظ على مستوى فوائد معقول جداً مقارنة مع المستويات التي نلحظها في المنطقة مثل تركيا ومصر وغيرهما، حتى في الخليج هناك بداية منافسة على الودائع عبر الفوائد، يعود الفضل لإدارة الدين العام في وزارة المالية التي سنبدأ بتطويرها انطلاقاً من عام 2018.أمّا بالنسبة لأرقام الدين العام من الناتج القومي التي كانت %149، فإنه يُتوقّع أن تصبح %148، مع تراجع بسيط جداً وهذا لا يعني أن دوامة الدين أصبحت تحت السيطرة، ولكنه ناتج من تحسين الميزان الأولي.فيما خصّ المالية العامة، فإننا سنلحظ، بعد نشر قانون الضرائب ارتفاعاً يحدث للمرة الأولى منذ سبع سنوات لنسبة الإيرادات عن الناتج، لأن الإيرادات لم تكن تتبع وتيرة الإنفاق وبالتالي مفروض علينا أن نواكب التطور الاقتصادي وأن لا تتراجع الإيرادات بالنسبة لحجم الاقتصاد.
ما هو رأيك في الخطة الاقتصادية التي وضعت في مجلس الوزراء وهل الدين العام سيصل إلى 120 مليار دولار؟
تتوقّع وزارة المالية أن يصل الدين إلى 79 مليار دولار في نهاية العام الحالي.نحن في فترة تشهد فيها الخيارات تأثيراً كبيراًعلى مستوى الدين، وما أعنيه أنّه إذا استمرّت وتيرة الإنفاق، لا سيما الإنفاق المتكرّر، غير الاستثماري، الذي لا يرد علينا أية إيرادات يصبح من الممكن أن تتدهور الأوضاع المالية، أمّا إذا اتُخِذت قرارات فيما يتعلق بالقضايا الأساسية في السنتين القادمتين، فيمكن أن نشهد تحسناً سريعاً على صعيد المالية العامة.
ما هو تقديرك بالنسبة لإقرار السلسلة على الواقع الاقتصادي في البلد، وهل تعني إفقار طبقة معينة وإغناء طبقة أخرى؟
إذا كنا نريد أن نتحدّث عن إفقار طبقة وإغناء طبقة أخرى فعلينا البحث في الإيرادات، لأن أي عمل إنفاق في دولة ما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار زيادة عبء في مكان وزيادة إنفاق في مكان آخر، وقد اعتبرت أن تمويل السلسلة من هذه الضرائب مع العلم أنها ليست لتمويل السلسلة فقط بل لتمويل العجز في الموازنة، وبالتالي لماذا لا نعتبر أن الإجراءات الضريبية هي لتمويل عجز الكهرباء أو تمويل مساهمات لمؤسسات أو تمويل رواتب وأجور. ولكن بالفعل أصبح هناك زيادة عبء ضريبي بالإجراءات المتخذّة، وهذا ما زاد في العبء، وقد حاولنا قدر المستطاع أن نصل إلى إجراءات لا تصيب الطبقة الفقيرة ولا تساهم بإعادة توزيع المداخيل، مثلاً الضريبة التي وضِعت على الأرباح الرأسمالية العقارية، وهو قطاع أساسي ساهم في بناء الثروات في الـ30 سنة الماضية.
أرقام السلسلة كانت تتحدث عن 1200 مليار ليرة ولكن القطاع الخاص يتحدث عن 2200 مليار ليرة في ظلّ تسديد العجز وزيادة أرقام المتقاعدين؟
السلسلة مع آخر إجراء اتُخذ بالنسبة للمتقاعدين وغيرهم تقدر بـ 1365 مليار ليرة وهذا الرقم أتى بعد التوضيح الذي تمّ فيما خصّ المتقاعدين الذي كان نصّه مُبهماً ويحمل تفسيرات متعدّدة.أمّا فيما خصّ رقم 2200 مليار ليرة فأتصور أن مصدره زاد كلفة غلاء المعيشة التي ندفعها منذ سنوات، وإذا زدنا 1365 إلى 900 مليار غلاء معيشة فأعتقد أننا نصل إلى هذا الرقم.
هل تعتبر أن السلسلة ستعيد إحياء الطبقة الوسطى؟
أعتقدأنها ستساهم في إعادة خلق طبقة وسطى، وهذا لا يحصل بين ليلة وضحاها بل يلزمه الوقت، وبالتالي يجب أن نبدأ من أي مكان كان لأن الفوارق في المداخيل أصبحت لا تطاق في مجتمعنا وهذا ما يؤدي إلى هزّات اجتماعية وعدم الاستقرار.
تعليقات الزوار