وضعَ خطاب الحريري الإصبع على جرح لبنان النازف
مصاعب التوافق الداخلي ومخاطر التدخل الخارجي
الديمقراطية التوافقية صيغةٌ للحكم ارتضاها اللبنانيون لأنفسهم وسيلةً للتوفيق بين النظام الديمقراطي وتركيبة لبنان الطائفية كي يشارك النسيج اللبناني بمختلف طوائفه ومذاهبه في إدارة شؤون الوطن بشكلٍ توافقي، وهنا بيت القصيد. فطالما نجمَ عن امتداد فترة تحقيق التوافق قطيعةٌ ولَيُّ أذرعٍ وتبعاتٌ اجتماعيةٌ واقتصاديةٌ مدمِّرة، ولم تؤدّ استراتيجية حافة الهاوية التي اعتمدها، ويعتمدها الأخصام السياسيون بهدف حصد أكبر قدْرٍ من المكاسب، إلا إلى وضع لبنان واللبنانيين على شفير هاوية الإفلاس والتضوّر جوعاً. ألف سؤالٍ وسؤالٍ يتبادر إلى الأذهان المُربَكةِ المستطلِعة، ولسان حال الخائفين على فلذات الأكباد ومستقبلهم. أيها الساسة، أسرعوا في تشكيل حكومة العهد، عهدٍ طالما أردناه جديداً للبنانَ متجدِّداً. كل الاستحقاقات، بما فيها التشكيلة الحكومية المنتظَرة، رهنٌ بالتسوية السياسية التوافقية. لقد توسّم اللبنانيون خيرًا بالإسراع في إعادة انتخاب نبيه برّي رئيسًا للبرلمان الجديد وتكليف سعد الحريري تشكيلَ الحكومة الثانية في عهد الرئيس ميشال عون. وكان قد أشار الحريري في خطاب التكليف إلى الأخطار الإقليمية المتزايدة حول لبنان والأوضاع الاقتصادية والمالية الداخلية الضاغطة، وانضمّ إلى الكتل النيابية الوازنة في إجماعها على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وفاقٍ وطني تُواصل تثبيت الاستقرار السياسي وترسيخ الالتزام بسياسة النأي بالنفس. بالرَّغم من طابعها الإيجابي، وضعت كلمة الحريري الإصبع على جرح لبنان النازف: مصاعب التوافق الداخلي ومخاطر التدخل الخارجي.
من الإيجابيات المتوارية وراء ستارٍ سميكٍ من السلبيات، الدعوة إلى تطبيق القاعدة النسبية المعتمَدة في قانون الانتخابات النيابية على تشكيل الحكومة، فتحصل كل كتلةٍ على عددٍ من الوزراء بقدْر نسبة تمثيلها وحجمها. دعوةٌ نوجّهها للمجلس النيابي العتيد كي يُقِرّ قانونًا لإجراء الانتخابات الاختيارية والبلدية وفقًا للقاعدة النسبية أيضًا. حلَّ عيد الفطر بفرحه وسروره من دون أن تكتمل أفراح المؤمنين واللبنانيين في دُنياهم بتشكيل الحكومة الجديدة. لقد تواصل التجاذب السياسي واستعر الخلاف على توزيع ما اصطُلح على دعوته وزاراتٍ سياديةً، وهي وزارات الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات، المالية، الخارجية والمغتربين، الاتصالات والعدل، وما اعتُبرت وزاراتٍ خدماتية، وهي أقل شأنًا، كما يُزعَم، وتختلف أهميتها بمقدار ارتفاع موازنتها ومهامها، وهي وزارات الأشغال العامة والنقل، والصحة العامة، والطاقة والمياه، تليها وزارات التربية، والشؤون الاجتماعية، والزراعة. فعبارة سيادية تعني اعتماد الوزارات الخدماتية على الوزارات السيادية، وهو أمرٌ منافٍ للواقع لأن وزارات الخدمات هي التي تلبّي متطلبات المواطن الحياتية وتمكّنه من تسديد ضرائبه لمالية الدولة. مصطلحاتٌ يُراد منها تنظيم العمل الحكومي وإذ بها تقع في شرك الحسابات الطائفية والسياسية والفئوية والشخصية. وتواصلت المشاورات. جولاتٌ مكوكية قام بها سعد الحريري بين عواصم دول القرار العربية والغربية أوحت بمساعٍ حثيثة لتذليل العقبات. وبقي ملفّ تمثيل حزب الله في الحكومة العتيدة، وملف النازحين السوريين بأبعادهما المحلّية والإقليمية والدولية مادّتَين دسمتين للبازار الخارجي وورقتَين ضاغطتَين تُعيقان التشكيل. لكن، ما إن تنطلق الحوارات بين الأطراف الداخليين حتى تُحَلّ العقد الداخلية مهما كانت صعبة، ويبقى اعتماد لبنان على المساعدات الخارجية مُلزِمًا لقادته بالحصول على موافقة أولياء النعمة، هذه النعمة التي ما كانت لتتحول إلى نقمةٍ شعبية لو شرع قادتنا في معالجة أسباب تفشّي الفساد في المؤسسات العامة. سؤالٌ يُضاف إلى ألف سؤالٍ وسؤال عن مدى جِدّية من ائتمنّاهم على حياتنا وحياة عائلاتنا في الإيفاء بما تعهّدوا به للناخبين على مشارف الانتخابات النيابية.
تعليقات الزوار