كانت مفاجأة سارة جداً لي أن ألقى ملحم مارون كرم، واطّلع على نشاطه الفكري والقانوني. ان بواكيره تؤكد نجابته، واختياره مواضيع ابحاثه يوحي بالجديّة، ويدلّ على نضج علمي، ومقدرة كبيرة على الإستيعاب والتحليل والمقارنة، ممّا يصنّفه في عداد النخبة الطالعة، المؤهّلة لإغناء المكتبة الحقوقية بالمؤلفات وخدمة منابر التعليم. منذ تقديمه رسالة الإجازة بدا أنّ ملحم مارون كرم لا يهاب الصعوبة، ويمتلك العدّة اللازمة للقيام بأبحاث دقيقة ومستفيضة، تحتاج الى التفرّغ وطول الأناة، وفي شكل خاص الى الشغف المعرفي. وقد أتت مقاربته موضوع "الجريمة الإقتصادية في القانون اللبناني"، لتؤكّد مستوى أكاديمياً واعداً، وتعبّر عن تحسّس مُرهف بالحاجة الآنيّة. إنّ الشأن الإقتصادي هو أهمّ عنوان في عالمنا المعاصر، وأكبر شاغل لمجتمعنا اللبناني، في وقت يكثر الحديث عن "الشفافية" و "النظافة"، باعتبارهما ابرز صفتين لرجل الدولة والموظف الإداري، على امتداد الهرميّة، وتنوّع الملاكات، فضلاً عن كل مسؤول في القطاعين العام والخاص. مقابل ذلك، يبرز "الفساد"، "الرشوة"، "اساءة الأمانة"، "الإختلاس" و"التهرّب من الضريبة"... الى ما هنالك من تطفّل على الحوزة الإجتماعية، واستباحة الأملاك العامة والخاصة، وتخريب المنشآت والبنى التحتية، سرقة الطاقة الكهربائية، الموارد المائية، التراث الحضاري، سلب الآثار، تشويه التاريخ، وعدد لا يُحصى من النماذج والحالات المماثلة، حيث تفقد مبادئ الحق الأساسية احترامها، والنصوص التشريعية والتنظيمية معناها ويصبح المجتمع أشبه بغابة، ترعاه شرعة الفساد المستقوي بدلاً من التعاليم السماوية، القيم، المثل العليا، مبادئ الحق والعدالة وأحكام القانون.
إنّ "موضوع الجريمة الإقتصادية" من الإتساع والشمول، بحيث تمسّ تداعياته الحياة الوطنية والإنسانية برمّتها، من هنا أهمية ان يضع ملحم كرم هذا المدماك المنهجي في العمارة القانونية اللبنانية، ويسجّل كرامة لعائلته العريقة فخراً لبلدته جزّين، وخطوة مباركة في خدمة لبنان
تعليقات الزوار