المناظرة في المبادئ والقيم الإنسانية تبقى مجرّد حالة من صفّ الكلام على الورق إذا لم تكن مقرونة بالأفعال التطبيقية، فإمّا نولد كُرماء النفوس أو لا نولد. لا توجد منطقة وسطى ما بين الحالتين والضربة الموجعة في حال الغدر، عندما نكون أوفياء مخلصين مع من نحبّ وتكون مبادلتهم لنا قائمة على نكران الجميل والخيانة والنفاق، أمثال هؤلاء الناس الذين يستدرجون شفقتنا عليهم وينحرون شريان الطيبة في قلوبنا.
إنّ أصعب المواقف التي تعترضنا هي الشعور بشيء من الشفقة على إنسان غدّار صاحب نفسية ضعيفة، يتخبّط بنار حقده وغيرته، متنكّراً لجميل من سانده في وقت محنته، فيكون صغيراً بحجم حشرة تدبّ دبيباً بينه وبين نفسه، يتملّق كالحرباء بألف لون ولون، يبثّ سموم غيظه وأحقاده ليخفي ملامح وجهه الحقيقية.
الغدّار يتذوّق الحياة من منابع غيرته وأطماعه مُعتقداً بأنّ الآخر طيّب القلب، وبالإمكان إستدراجه والإستيلاء على إنسانيته، لكنّه يجهل بأنّ الطيبة في معجن الأوفياء ثمرة مباركة وروح من السماء وأنّ الطيّبين للطيّبين والخبثاء لأبناء الشياطين.
علّمتني الحياة أن أغسل قلبي بماء الإيمان، مؤمنة بأنّ لكل مجتهد في الحياة نصيبه وأنّ الذوق الإنساني ينبع من منابع الأخلاقيات والتسامح من شيم المؤمنين. والإنسان الغدّار كالحرباء ولكن مهما كان سواد الليل داكناً وضوء القمر خافتاً، فلا بدّ من قدوم ليل صيفيّ صافٍ ينشر فيه القمر ضوءه الفضيّ، ولا بدّ من شروق لا غروب بعده وكذلك حال الأتقياء الأوفياء، مهما أحاطت حضورهم سكاكين الغدر لا يمكن أن تجرحهم أو ترعبهم بل ستبقى رؤوسهم شامخة مكلّلة بالكرامات والصدق.
تعليقات الزوار