العلّة الأساسية تكمن في النفوس وليس في النصوص
ملف الفساد يكشف هشاشة نظام الدولة
أصبح لبنان اليوم وطن الفساد ومعبر الفرص الضائعة، وباتت المحسوبيات والوساطة والهدر تنهش في أجهزته وقطاعاته كافة، ما أظهر عُمق عجز الدولة وغياب الرؤية الجدية للحلول الجذرية. كل ذلك دفع بالمسؤولين إلى اعتماد سياسة التقشّف خوفاً من الإفلاس الكامل. وبدلاً من أن تقوم الدولة بتحديث القوانين والخروج من الصورة النمطية والبيروقراطية المتربّعة على عرش الدوائر الرسمية التي تعرقل وتبطئ سير إنجاز المعاملات والمشاريع الملحّة لرجال الأعمال الذين يتكفلون بتمويلها، تقف دولتنا كالمتفرّج الصامت والعاجز الذي لا حول له ولا قوّة. وبسبب دخول خزينة الدولة في دائرة العجز المغلقة، بات العصيان المدني والاعتصام بوجه الفساد واجباً وطنياً على كل لبناني يريد العيش بكرامة. قضايا حيوية ويومية تُطرح باستمرار على الساحة، ولكن للأسف، حتى الآن لم يتغير شيء. ما يهمّنا اليوم هو الفعل وليس القول، شبعنا شعارات ووعوداً وبتنا نعيش كل يوم بيومه، فما هو مصيرنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا؟... أسئلة عدّة طرحناها على شخصيات فاعلة ورجال أعمال لهم دورٌ اقتصاديٌ بارزٌ في لبنان والخارج، لذا كان لا بدّ لنا أن نلتقي رئيس إتحاد المستثمرين اللبنانيين ورئيس مجلس الأعمال اللبناني - الروسي جاك صراف الذي تحدّث كعادته بكل صراحة عن الوضع منتقداً هشاشة نظام الدولة والإستهتار بتطبيق الأنظمة والقوانين، فكان الحوار التالي:
صرّحتم مؤخراً بأنّكم مستعدّون لمشاركة الحكومة في إعادة بناء الإقتصاد، ما هي مقترحاتكم؟
أنشأنا "إتحاد المستثمرين اللبنانيين" بعدما صدر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العام 2002 لزيادة تدفق الاستثمارات إلى لبنان، ولنساهم في ازدهار بلدنا بعدما أخفق القطاع العام في إدارة موارده والمحافظة عليها. اليوم يلعب القطاع الخاص دوراً كبيراً ومهمّاً، وباتت الدولة تعتمد على جهوده للقيام بإصلاح إداري وتنفيذ مشاريع عدّة. لذا، أعرب البنك الدولي عن استعداده لمشاركة القطاع الخاص بتنفيذ وإدارة مشاريع استثمارية كبناء السدود، توليد الطاقة الكهربائية من الرياح والشمس، المشاريع البيئية، معالجة أزمة النفايات وغيرها من المشاريع البنيوية التي قدّرت بحوالى 20 مليون دولار أميركي. ونحن اليوم كقطاع خاص على استعداد تام لإدارة هذه المشاريع التي تعود بالفائدة على خزينة الدولة والمواطنين على حدّ سواء.
برأيك، من المسؤول عن تردّي الوضع الاقتصادي اليوم؟
غياب الشفافية والقبول بعدم وجودها هما السببان الرئيسيان لما آلت إليه الظروف الراهنة، لذا أعتبر أن الجميع متواطئ ومسؤول عن وضعنا الكارثي اليوم. إن لبنان ليس شفافاً في تطبيق أنظمته وقوانينه على الرغم من أن إتفاق الطائف أجرى عملية إصلاحية لما كان يعكس آنذاك من طروحات سابقة كانت تُعتبر مضرّة، لكن البنود التي أقرّت بموجبه لم تكن مقنعة للجميع ولم تطبّق برمّتها، اذ أيّدها البعض وسار بها البعض الآخر مكرهاً. من هنا جاء التواطؤ على عدم تطبيق أمور مصيرية عدّة لا سيما إلغاء الطائفية وهو عنوان أساسي في نظام الطائف واللامركزية الادارية التي تمّ التصويت عليها في العام 1992. برأيي كل هذه الأمور أساسية ويجب العمل على تطبيقها لكن ما تمّ الإتفاق عليه هو توزيع الحصص فقط. نحن اليوم نعيش في بلد "كل من إيدو الو". من هنا أقول إنّ لبنان اليوم يعاني من مشاكل تراكمية عدّة لها أسباب جوهرية من الأفضل أن لا نطيل البحث فيها، بل يجب الاسراع في وضع الخطط البنّاءة والحلول الفعّالة لمعالجتها.
هل تمّ طرح ملف الفساد في وقته المناسب؟
مقولة "محاربة الفساد" بحدّ ذاتها تعبير خاطئ ووجود الفساد اليوم في الدولة هو نتيجة غياب النظام، وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة لردع المخالفين وتوقيفهم ومكافحة ظاهرة الرشوة في الدوائر الرسمية وحماية الأملاك البحرية. لذلك أقول إن فتح ملف الفساد جاء في وقتٍ متأخر نسبياً نظراً الى عدم محاسبة الفاسدين والمفسدين الكبار، بعدما قاموا بأعمال النهب والسرقة أثناء توليهم مناصب إدارية في السلطة وها هم اليوم يحاضرون بملف الفساد، اذ لاحظت مؤخراً أنّ عدداً من المتقاعدين في الجيش يعمدون الى الكشف عن المشاكل الادارية السابقة، فلماذا اختار هؤلاء الكشف عنها بعد انتهاء خدمتهم وليس خلال ممارستهم لوظيفتهم؟. لذلك أرى أنّ انتشار الفساد اليوم دليل واضح على الاستهتار بتطبيق النظام وعدم سيادة سلطة الدولة على إداراتها ومرافقها العامة، وأن فساد النظام غيّب معالم الانتماء الوطني إلى لبنان.
هل يجوز المسّ بحقوق العسكريين؟
من وجهة نظري، يجب أن تصان حقوق العسكريين ومخصصاتهم، لكن ثمّة أمور يجب تعديلها أبرزها التدبير رقم 3 الذي ينصّ على منح العسكريين الذين يشاركون في الحروب والمتواجدين على الجبهات هذا الحق دون سواهم، ولكن منذ العام 2006 وحتى اليوم يستفيد جميع العسكريين من مفاعيل التدبير رقم 3 بغض النظر عن المهام التي يقومون بها، ما يشكّل إجحافاً كبيراً بحقّ باقي موظفي المؤسسات العامة. ولكن من حسن حظنا اليوم أن لدينا قائداً للجيش كالعماد جوزف عون يخدم وطنه من خلال تجربته الذاتية، لذا نعوّل على جهوده خيراً في الحفاظ على المؤسسة العسكرية.
الصناعيون اليوم يمرّون بأصعب وقت، هل هنالك بوادر مشجّعة لهم؟
عند إزالة المعوقات تظهر البوادر الإيجابية والمشجّعة للصناعيين، وكوني صناعياً وملمّاً بمعاناتهم ، أشدد على ضرورة وضع خطط جديدة وبنّاءة تساهم في تطوير القطاع الصناعي وتحمي الصناعات اللبنانية من المضاربة والمنافسة غير الشرعية، وتحدّ من إجحاف الدولة بحقوق الصناعيين المتهمين اليوم بالفساد والتهرّب الضريبي وغيرها من النعوت السيئة التي طالت الإعلام والمصارف أيضاً. لذلك أقول إنّ العصيان المدني هو عنوانٌ لكل مواطن لبناني.
ما هو تعليقك على عمل المصارف؟
المصارف هي العصب الرئيسي للبلد والداعم الأول لقطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والاستشفاء، وتعتبر أموال المواطن اللبناني المحرّك الاساسي لعملياتها المالية. وإن ما يُطلق من إتهامات بحقّ المصارف بأنها المسؤولة عن الازمة الاقتصادية الحالية هو محض باطل، في حين أن الضمان الاجتماعي وعلى الرغم من استحصاله على حقوقه من المؤسسات كافة إلاّ أنه لا يغطي الموظفين عند دخولهم الى المستشفى بل يعمد الى تشغيلها في مكان آخر. برأيي حان الوقت لإنتفاضة أو عصيان مدني على سوء الادارة والاجحاف بحقوق الشعب، لأنّ الرضوخ الى هذه المهزلة يعدّ تواطؤاً بيّناً.
بالانتقال إلى روسيا، هل أثمرت زيارة الرئيس عون إلى روسيا أية نتائج إيجابية؟
أسفرت مبادرات الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام نتائج إيجابية بين روسيا ولبنان ونأمل أن نشهد بوادرها في القريب العاجل. اذ زار وفدٌ كبير من مجلس الأعمال الروسي - اللبناني لبنان، تلتها زيارة فخامة الرئيس العماد ميشال عون إلى روسيا ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين، اللذين تباحثا معاً في شؤون البلدين واعتبرا أنّ لبنان "خطّ أحمر" في المواضيع الأمنية. تبعتها زيارة وفدٌ لبناني من مجلس الأعمال إلى روسيا وإقامة "معرض الصناعات العربية" بحضور ممثلي المصانع اللبنانية لإنتاج النبيذ الذي يشكّل سلعة مميّزة لا تنافس الصناعات الروسية والعربية. لدينا اليوم حوالى 30 شركة متخصّصة بهذا المجال تعمل جاهدةً لزيادة حجم الصادرات إلى روسيا، وقمنا مؤخراً بتصدير أصناف جديدة من النبيذ اللبناني إلى روسيا. هذه القرارات ستتبعها خطوات عدّة لا تزال قيد الدرس حالياً، لكن الخلافات القائمة والملفات العالقة والصورة القاتمة عن لبنان والعقبات الاساسية التي تعيق تقدّم علاقاتنا مع روسيا أدّت الى تراجع اندفاع الجانب الروسي وتأخّره في تنفيذ الاستثمارات في البلد. لذا، علينا تقوية العلاقات مع روسيا وتحسين التبادل التجاري وإزالة المعوقات والتنسيق التام بين المرجعيات والدوائر الاقتصادية في الوزارات التابعة للبلدين، والاتفاق معاً على الخطوط العريضة. على صعيد آخر، تمّ توقيع اتفاق جديد مع مصر نأمل الاسراع في تطبيقه لأهميته بالنسبة للصناعيين، فصادراتنا اليوم تعاني من معوقات بسبب ارتفاع كلفة النقل ونتيجة الاجراءات التي تتخذها الدول المستوردة لحماية اقتصادها وصناعاتها.
وقّعتم مع مجلس الأعمال الروسي - اللبناني مذكرة تفاهم، ما هي أهم بنودها؟
تتضمّن هذه الاتفاقية بنوداً كثيرة تتمثل بإقامة مشاريع إستثمارية من قبل جهات روسية في قطاعات عدّة ومدعومة من رجال أعمال لبنانيين. وبعد مرور حوالى الشهر تقريباً على هذه الاتفاقية، من المتوقع أن نحصل على ورقة من روسيا مُرفقة بمشاريع ومواضيع تحث الجانب الروسي على الاستثمار في لبنان. وخلال زيارتنا الى روسيا، عقدنا جلسة حوارية مستديرة بين رجال أعمال لبنانيين وروس، وتمّ عرض المشاريع التي ينوي رجال الاعمال الروس تنفيذها في لبنان.
برأيك، هل خلاف روسيا وواشنطن سيؤثر على العلاقات والاستثمارات في لبنان؟
كلا، لن يؤثر ذلك على العلاقات والاستثمارات في لبنان بل هنالك توافق كلّي وتام مع روسيا وواشنطن.
بعد مرور 75 عاماً على تأسيس جمعية الصداقة اللبنانية - الروسية، ما هي البرامج الجديدة المشتركة التي تعملون عليها؟
سيتم الاحتفال هذا العام بمرور 75 عاماً على تأسيس هذه الجمعية، وسنعمد إلى إقامة حفل ضخم لتكريم العديد من الكتّاب والشعراء والرسامينوالطلاب الخرّيجين من روسيا والمهتمّين بالشأن الروسي والمتعاونين معه، تقديراً لجهودهم الحثيثة في تمتين العلاقات الروسية - اللبنانية، وستقام تباعاً حفلات ومناسبات عدّة.
تعليقات الزوار