لبنان بين التطمين الوزاري والتهويل الإعلامي
مراقبة الدولة للمؤسسات العامةتسير على قدمٍ وساق
يواجه لبنان اليوم تحديات اقتصادية جديّة.فالعجز المالي الذي تعانيه الدولة اللبنانية، إضافةً إلى انحسار معدّلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن الدين العام وارتفاع معدّل الفوائد، كلّها مشاكل تحتاج إلى معالجة سريعة،والأولوية اليوم هي إيجاد الحلول المناسبة لتحصين مالية الدولة وخفض العجز فيها، لنتمكّن من تثبيت الاستقرار النقدي وتحقيق أرضيّة مناسبة لمعاودة النهوض. وهذا الأمر يتطلّب إخلاصاً وعملاً دؤوباً وتضامناً وطنياً، إضافة إلى رؤية اقتصادية شاملة وتقليص مزاريب الهدر والفساد وضبطها. إذا كانت الدولة تطلب من أبنائها تفهّم واقعها الاقتصادي وإجراءاتها التقشفية المعتمدة، فعليها تفعيل الإدارة العامة وتلبية احتياجات المواطن لإعادة الثقة في عملها. لكن أين المواطن من هذه الإجراءات التقشّفية؟
كَثُرت التساؤلات حول مصير المواطن اللبناني بعد تنفيذ سياسة الدولة التقشّفية وإمكانية زيادة ضرائب جديدة لسدّ العجز وتخفيض الدين العام، فأطلّ وزير المالية علي حسن خليل في حديث عبر MTVمع الإعلامي مارسيل غانم في برنامج "صار الوقت" ليضع النقاط على الحروف في مسألة زيادة الضرائب وغيرها من الأمور، فقال: "إنّ النتيجة التي وصلنا إليها في لقاء بعبدا ليست سيئة أبداً، إذا تمّ الالتزام بها. وإن مجلس الوزراء مبنيّ على قاعدة التوافق. وتجربة حكومة الوحدة الوطنية في اتخاذ القرارات غير مشجّعة. وبالتالي، من المفيد أن يُعقد اجتماع كهذا، ليضع الجميع على الطاولة أمام مسؤولية الملف المالي، ولمقاربته بطريقة موحّدة". ونبّه خليل إلى أن الكثيرين يعبّرون أمام الرأي العام ووسائل الإعلام عن أمور مجافية للحقيقة، وبالتالي تؤثّر على وضع البلد، لافتاً إلى أن هذا البلد بشكل عام معروف بأنّ له تركيبة تسمح لجهات عالمية بأن تتعاطى معه على الطريقة اللبنانية. وأوضح أن فكرة إعلان حالة طوارئ اقتصادية تنطلق من استثنائية الظرف الاقتصادي الذي نعيشه. وشدّد على أنّ لبنان بحاجة لاتخاذ إجراءات جديّة وبنيوية لاستكمال تصحيح وضعه، بغضّ النظر عن تقريرات الوكالات الائتمانية". وأضاف: "لبنان صُنّف CCC أكثر من مرّة في السنوات الماضية، وعاد واستعاد عافيته، ولكن الأجواء اليوم ضاغطة، ولبنان بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جديّة. لذا يجب أن يعلم الناس أن ثمة مشكلة في منظومة الدولة، ما زلنا بحاجة لكسرها. فمن غير المعقول مثلاً أننا لم نحصّل 10 ملايين دولار منذ 20 عاماً حتى اليوم من "ليبان بوست"، وهي تقدّم عشرات الخدمات الهائلة من خارج العقد وغير مراقبة". ولفت وزير المالية إلى أن "هناك 94 مؤسسة عامة تابعة للدولة، يمكن إلغاء 10 إلى 15 منها على الأقلّ بسهولة. وهناك بعض المؤسسات يمكن دمجها بالوزارات، كما يجب إعادة النظر في المؤسسات العامة المسمّاة مستشفيات حكومية لتفعيلها واستعادة قدرتها على الربح". وتابع: "مؤسّسة ضمان الاستثمارات يجب ألاّ تستمرّ، وهي تابعة لي، وبدأنا بإجراءات التصفية. كذلك يجب إعادة تنظيم مصلحة سكك الحديد والعمل على مخطّط توجيهي لسكك الحديد في البلد". وعبّر الوزير عن أسفه لأنّنا محكومون بعقدة محسوبية المؤسسات والحصص الطائفية والحزبية، مؤكّداً أنّ الوزارة لا تضع خطوطاً حمراء على أيّ مجلس أو مؤسسة. وتابع الحديث: "يجب إنشاء مجلس إنمائي لعكار وآخر للبقاع وإعطاؤهما موازنات للتنمية، بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات. فهناك قرى في عكار والبقاع تفتقر إلى المدارس والطرقات وشبكات المياه. لذلك، يجب إنشاء هذا المجلس الإنمائي ومحاسبته وإنجاحه لتنمية هذه المناطق". وتعليقاً على المؤتمر الصحافي للموفد الفرنسي السفير بيار دوكان المكلّف متابعة مقرّرات مؤتمر "سيدر"، أبدى علي حسن خليل استغرابه قائلاً: "لست أدري لماذا لم نحوّل معامل الكهرباء من الفيول إلى الغاز بالرغم من مرور خمس سنوات، ما يمنح وفراً كبيراً في الفاتورة والعجز". وتعليقاً على المؤتمر الصحافي للموفد الفرنسي المكلّف متابعة مقرّرات مؤتمر "سيدر" السفير بيار دوكان، قال علي حسن خليل: "أقدّر الجهد الفرنسي في مؤتمر "سيدر"، وأحترم دوكان واهتمامه بلبنان، لكن لم يكن مستحبّاً أن يتكلّم بهذه الطريقة، ويجب ألاّ نستمرّ وحيطنا واطي". ونبّه خليل إلى أن كل يوم تأخير في موضوع الكهرباء يؤدّي إلى ازدياد العجز والدين العام، بالرغم من السير بموضوع دير عمار وبعقد مباشر تأخّرنا سنة و8 أشهر حتى الآن، وهذا التأخير كلّفنا أكثر من مليار دولار، مشدداً على أننا "ما عدنا نملك ترف الوقت لنضيّعه في موضوع الكهرباء". وأضاف: "يجب ألاّ نخسر في موضوع الكهرباء أيّ يوم إضافي. الوزيرة ندى بستاني وعدت، فلنأتِ بأربع أو خمس شركات عالمية ولنلزّم بسرعة من دون إجراءات معقّدة حتى ننطلق بسرعة". وأضاف علي حسن خليل: "كوزارة مالية لا ضرائب إضافية في عام 2020 على الإطلاق، ولا يوجد زيادة أيّ رسم على المواطنين، لا على البنزين ولا على الـTVA. فأيّ ضريبة ستؤثر في الناتج القومي والقدرة الشرائية وفي اقتصادنا"، موضحاً أنّ ثمة "سلسلة اقتراحات طُرحت في اجتماع بعبدا الاقتصادي، تشمل ضرائب إضافية، وأنا ملزم بمناقشتها، ويمكنني أن أرفضها".
وضع الليرة مستقرّ وموازنة عام 2020 إنقاذية
موضوع الليرة كان له حيّز مهم في المقابلة، غير أنّ اللبنانيين كانوا ينتظرون ما سيصرّح به وزير المال في هذا الخصوص، حين أفاد قائلاً: "إنّ الليرة بخير، ولا يجب أن يخاف اللبنانيون، ولست أقول كلاماً للطمأنة فحسب، بل أعدكم بأننا لن نتخلّف عن تسديد أيّ سند يستحق علينا، وموازنة عام 2020 فيها خطط جديدة قائمة على التوازن الفعليّ بين النفقات والإيرادات، وعدم الاستدانة من السوق إلاّ عند تمويل النشاط الاستثماري فقط، الذي يعزّز النمو الاقتصادي ويخفّض العجز".
تعليقات الزوار