يصف خبراء اقتصاديون المرحلة المُقبلة في لبنان بأنّها تتميّز بسمة اقتصادية شديدة التعقيد، وبأنّ من الطبيعي أن يرافق هذه المرحلة بروز مظاهر متعدّدة من الصراع الذي يحتدم على أكثر من صعيد. كذلك من الطبيعي أن تفرض هذه المرحلة مهام استثنائية على مختلف المستويات التشريعية، الإجرائية، الاقتصادية والاجتماعية.تكتسي هذه المرحلة أهمية مضاعفة نظراً لترابطها بأحوال ضاغطة كنتيجة مباشرة لتفاقم الأزمة العامة على الصعيدين المالي والاقتصادي.فالمرحلة الراهنة لا تمرّ في ظلّ مناخ من التطوّر الموضوعي الهادئ ولا تشكّل حصيلة منطقية لذلك التطور، بل تشكّل المدخل الضروري والملائم للبدء بعملية استيعاب الأزمة أولاً، والانخراط في معالجتها ثانياً. ولذلك، فإنّ النجاح في إنجاز أهداف هذه المرحلة يشكّل المنعطف الضروري لمواجهة تداعيات الأزمة، والفشل في إنجازها يشكّل المنطلق لمرحلة مقبلة شديدة السلبية على المسارين الاقتصادي والمالي..لا تملك الحكومة أوراقاً كافية للمراهنة، ويضيق حيّز الوقت بحيث لا يمكن المناورة، والكلّ يدرك أن انفلاش مخاطر الأزمة الاقتصادية، وانفلاتها من القيود التي تكبّلها، جعلها ترتقي من مستوى الافتراض النظري الذي يطرحه بعض الخبراء الاقتصاديين، إلى مستوى الاحتمالات الواقعية التي تنذر بالشرّ. كذلك يعي جميع المسؤولين أنّ شعب لبنان والقوة السياسية المهادنة للحكومة تنتظر فشلها في المجالين المالي والاقتصادي لتنتفض عليها، والفرصة الزمنية المُتاحة أمامها لتثبيت قدرتها على النجاح لا تتجاوز الأشهر المتبقية من السنة وقبل الانتخابات النيابية لذلك، فالحكومة تخوض معركة إنجاز متطلبات المرحلة المقبلة بذهنية الحسم الأخير، وأمامها خياران لا ثالث لهما: فإما النجاح وتنفيذ برامجها، وإما الإخفاق والفشل والغياب عن الساحة السياسية لفترة طويلة...يبدو أنّ للعهد أولويات أبرزها الاهتمام بالملف المعيشي الضاغط في محاولة للتخفيف من الأعباء التي يتحمّلها المواطن.ومن يدفع إلى انتهاج مثل هذا الطريق جملة عوامل وأسباب حدّدها أحد الخبراء السياسيين والاقتصاديين بالآتي:أولاً، الرغبة في إنجاز خطة مشتركة معيشية واجتماعية لتنضمّ إلى الخطة الإنمائية. وهذه الخطة تقوم على: مبدأ التعايش بين الحاجات والضرورات الملحّة ومواكبة التحولات الاقتصادية الناجمة من حروب المنطقة التي تحيط بنا. ثانياً،القلق الذي يساور الجميع من الملف المعيشي الذي ستحاول المعارضة إعادة تجميع صفوفها استعداداً للدخول في مواجهة جديدة، وضرورة أن يضع كل مسؤول ورقة عمل تسمح له بتوفير المعالجة التي يجب أن تكون بمستوى التحديات التي سيواجهها عاجلاً آم آجلاً.ثالثاً، حاجة لبنان إلى إعادة تأهيل البنى التحتية التي تسمح له بأن يعود تدريجياً إلى الخريطة الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط.ويجب السعي إلى: تغطية خدمة الدين العام، إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين في القطاع العام، توفير الأعباء المالية المترتبة على تسيير عجلة الإدارة، معالجة فعّالة من دون تمييع لملفات الكهرباء، الماء والنفايات، التواصل مع الخارج وتحديداً الدول العربية، من أجل إعادة العلاقات كما كانت عليه في السابق، دعماً للحركة الاقتصادية بكل متفرّعاتها، وخصوصاً السياحية منها، وإعطاء الأولوية للملف المعيشي والحياتي بكلّ تفرّعاته التربوية، الصحية والخدماتية... فهل تتمكن!
تعليقات الزوار