عانى اللبنانيون من مشهد تكدّس النفايات في شوارع لبنان، التي تمسّ بشكل مباشر صحة المواطن والبيئة واقتصاد البلاد. وقد تفجّرت الأزمة على أبواب موسم الصيف، لتضرب هيبة الدولة، ولتطال مكوّنات الشعب السياسية بمختلف انتماءاتها وأطيافها.وتأتي أزمة النفايات التي تولّدت من إقفال مطمر الناعمة، الذي كان يستوعب الأطنان من النفايات، لتلقي بثقلها على ما عداها من أولويات وحاجات الوطن بسياسييه ومواطنيه على حدّ سواء، مع ما يلوح في أفق أزمتها من محاصصات المسؤولين.
فلبنان لا يمكن أن يعتمد على طمر النفايات أو على التقنيات التقليدية. والقرارات المتخذة في هذا المجال تبقى عرضية وليست ذات حلول جذرية للمشكلة، وإيجاد المكبّات يميناً وشمالاً لا يتلاءم مع الشروط البيئية ولا مع صحة المواطن، ولا بُدّ من اعتماد فرز وتحويل النفايات كما هي الحال في الدول المتطورة، مع ما أثير من أزمة لتمكين المافيا من جني أرباح طائلة من دون أيّ اعتبار للمواطنين وسلامتهم.ويقول العارفون بقضية النفايات وتلزيماتها أنّ الأسعار التي تتقاضاها "سوكلين" هي الأغلى في العالم، أي ضعف الأسعار في الدول الأخرى، في ظلّ غياب المناقصات ودفاتر الشروط وفتح الباب أمام الشركات ورفع الإحتكار الحصري للشركة التي تولّت رفع النفايات ونقلها وطمرها على مدى عقود. والغريب في أزمة النفايات وإيجاد المطامر والمكبّات اللازمة، أنّ عقد الشركة الملتزمة "سوكلين"، معلوم للقاصي والداني، ولم يكن مفاجئاً إغلاق مطمر الناعمة، وما نتج عنه من تكدّس أطنان النفايات في الشوارع والأزقة.
والأغرب هو ما اعتبره المسؤولون ضيقاً في الوقت للبحث عن حلول تؤدّي مبتغاها في الوقت الضائع، بالتوازي مع ما عكسته الأزمة من قطع طرقات وحرق نفايات ومستوعبات لتشمل المحافظات اللبنانية كافة، في مشهد اعتراضي على تقاعس المسؤولين عن القيام بواجباتهم وطرح الحلول المناسبة قبل الوقوع في المحظور.
إنّ ما توصّل إليه المسؤولون، لا سيما وزير البيئة من اقتراحات لا تتعدّى الحلّ الجزئي والموقّت، في حين وصفها البعض بأنّها غير قابلة للتنفيذ، والمتمثلة بنقل نفايات بيروت وبعض مناطق جبل لبنان والتي تشكّل المشكلة الأكبر في أزمة النفايات، إلى مكبّات في مناطق عديدة من لبنان، كما تمّ الحديث عن إيجاد عقارات جديدة في أكثر من منطقة خارج بيروت لطمر النفايات فيها وصولاً إلى خيار طمرها في البحر، واختيار عدد من الأماكن كالمقالع والكسارات لوضع النفايات فيها لفترة مؤقتة شرط أن يتعهد ملتزمو خدمة النفايات في بيروت، برفعها وطمرها وفق الأصول المقرّرة في العقود.
أما الإقتراح الأكثر إثارة للجدل، والذي أثار سخط الناشطين البيئيين في لبنان، فهو اقتراح يقضي بإنشاء "محارق" لمعالجة النفايات، من خلال وضع مختلف أنواع النفايات داخل المحرقة، وحرقها بدرجات حرارة مرتفعة، لتتمّ الإفادة منها لاحقاً في توليد الطاقة الكهربائية، وهو مشروع ذو كلفة مرتفعة جداً، إذ قد تصل تكلفة المحرقة الواحدة إلى 500 مليون دولار، وتستغرق فترة تجهيزها ما بين 3 و 5 سنوات.
ويرى الخبراء البيئيون، أنّ المحارق يمكن أن تكون فاعلة وذات فائدة، ولكن ليس في بلد كلبنان، حيث تغيب الرقابة ويعمّ الإهمال، وأنّ المشكلة تكمن في ما بعد التشغيل، لا سيما وأنّ الحديث يجري عن إنشاء تلك المحارق إلى جانب محطات الكهرباء في الزهراني والذوق، وهي تحتاج إلى وقت لكي يتمّ شحنها وتركيبها.
الحديث عن الإقتراحات المطروحة يأتي في ظلّ ما يطرحه الناشطون البيئيون من بدائل لم تؤخذ على محمل الجدّ، وعدم وجود نيّة لإيجاد حلول جذرية للأزمة، وهذا أمر يستوجب التساؤل في شأنه، فهل المشكلة في الحلول التي يطرحها الناشطون، أم أن من يتجاهل هذه البدائل هو نفسه المستفيد من صفقات قديمة – جديدة، يتم من خلالها هدر المال العام
تعليقات الزوار