يفتقد اللبناني للوعي حول مخاطر انتشار النفايات بسبب المؤسسات الإعلامية
الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص ورئيس قسمي الطب الداخلي والعناية الفائقة في مستشفى جبل لبنان في بيروت الدكتور إيلي فرح أخبرنا عن كافة الأمور المتعلّقة بانتشار النفايات ومدى تأثيرها على صحة الإنسان.
معروف أنّك من المواظبين على حضور المؤتمرات الطبية لاسيما تلك المتعلقة بمرض السرطان، أخبرنا عن آخر اكتشافات الطب في هذا الخصوص؟
العلاج المناعي هو آخر ما توصّل إليه الطب في معالجة الأمراض السرطانية حتى الآن، فهو قادر على حصر المرض والحدّ من انتشاره في جسم الإنسان، وذلك من خلال تحفيز المناعة لتقوم بالدفاع عن الجسم وكشف الخلايا السرطانية دون غيرها وتدميرها، أو على الأقل حصرها، بشكل تفضيلي، وهنا يكمن الفرق بين العلاج المناعي والكيميائي، فالأخير يدخل الجسم ويقتل جميع الخلايا من دون أن يفرّق بين السرطانية والسليمة. اليوم، يتّجه الطب لدمج أدوية العلاج المناعي ببعضها، وذلك بهدف أن تقوم المناعة بمهاجمة الخلايا السرطانية والقضاء عليها. إلى ذلك، هناك علاج قمنا بتصنيعه في كندا ولكن لا يمكن التصريح عنه حالياً فما زال قيد التجارب السريرية العلمية على أن يبصر النور في الوقت المناسب.
برأيك، ما هي أهمية وجود لجان مشرفة على الوزارات في عمليات الاستيراد من الخارج للحدّ من انتشار الأمراض؟
رفعنا الصوت أكثر من مرّة وطالبنا وزارة الصحة بإنشاء لجنة خبراء مستقلين تقوم بتوصيات للوزارات المعنية، مثلاً وزارة الزراعة باستيراد المواد المضادة للحشرات والخالية من السموم، أو وزارة الاقتصاد، حيث تمكّنا عام 2010 من حصر استيراد زجاجات الرضاعة البلاستيكيةالتي تحمل مادة الـ Bisphenol Aالمسببة للسرطان وأمراضاً أخرى كالقلب والضغط والـ ADHDأي الحركة المفرطة لدى الأطفال، فعندما تأخذ الوزارات التوصيات التي تقدّمها اللجنة بعين الاعتبار نكون قد خطينا خطوة للأمام، لكن المشكلة تكمن في عدم التطبيق كما حصل سابقاً عندما أعطينا بعض التوصيات حول النفايات وسلامة الغذاء العام لكن يبدو أن تطبيقها كان انتقائياً ونسبياً، وهناك ما هو أهمّ من صحة المواطن بالنسبة للوزارات.
للتلوّث أنواع، المياه، الهواء، الجو، التربة وغيرها... أي نوع يُعدّ الأخطر على صحة الإنسان، ولماذا؟
لا يوجد نوع أخطر من غيره بل المسألة تعتمد على نسبة التعرّض للملوّثات بشتى أنواعها وأشكالها، لأن التعرّض التراكمي هو السبب المباشر للأمراض أي إذا تعرّضنا لأي ملوّث بيئي أكان مياهاً أو هواء أو غيره لمرّة واحدة فقط حتى لو كان التعرّض قويّاً نسبياً لن يؤثّر مباشرة على الجسم لأن الأخير لديه القدرة على التخلّص من السموم، إنّما إذا كان التعرّض بشكل متواصل ودائم فسيؤدي ذلك إلى تراكم السموم لتترسّب داخل الجسم فتخلق خللاً وتؤثّر على المعايير الجينية للإنسان.
ما هي أنواع الأمراض التي تسببها النفايات المنتشرة في الشوارع؟
تُقسَم أزمة النفايات إلى قسمين، الأول: مشكلة النفايات بحدّ ذاتها، والثاني: مشكلة تراكمها وانتشار الجراثيم حولها، فالحشرات تنقضّ على النفايات المكدّسة فتنقل الجراثيم إلى الناس وهذا ما يجعلنا عرضة لأمراض جرثومية كالبكتيريا والفيروس وغيرهما... لكن، لا يمكننا أن نجزم أن النفايات هي السبب الوحيد لانتشار الأمراض بل أحد العوامل المؤدّية لذلك، فالسرطان مثلاً هو نتيجة عوامل متعدّدة منها الغذاء والتدخين وحتى المسرطنات الموجودة داخل المنزل، فنحن نقضي حوالي %80 من وقتنا في أماكن مغلقة تحتوي على مسرطنات مثل المكاتب، البيوت، المطاعم وغيرها... وعلى سبيل المثال إنّ ثاني مسبب لسرطان الرئة هو العنصر الكيميائي المشعّ الرادون Radonوهو موجود في ألواح الجبس أو ما يُعرف بالـ Gypsum Boardكما الاسمنت.
كيف يؤثّر استخدام المحارق للتخلّص من النفايات على صحة الإنسان، ومن هم الأشخاص الأكثر تضرّراً؟
عمليّة التخلّص من النفايات عبر المحارق أو حرقها مباشرة في مكان تكدّسها تؤدّي إلى إنتاج دخان يحتوي على ملوّثات عديدة منها كيميائية ومنها حبيبات، وهذه الأخيرة عندما تدخل مجرى التنفس لدى الإنسان يمكنها أن تزيد من مشاكل الحساسية، حالات الربو، أمراض الرئة والجيوب وغيرها.. إلى ذلك، فإن العاملين في المحارق يتعرّضون للملوّثات بشكل أكبر ولوقت أطول من غيرهم، فكل هذه العمليات يجب أن تكون ضمن المعايير والشروط العالمية الطبيّة والصحيّة وفي مناطق غير سكنية. كذلك، هناك فئة تُعتبر أضعف من غيرها وتكون المضاعفات أخطر عليها، وهي تضمّ الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري، الضغط والربو، إضافة إلى النساء الحوامل، الأطفال دون 5 سنوات والأشخاص فوق الـ 65 سنة.
برأيك، هل يملك اللبناني الوعي الكافي للمخاطر التي تسببها النفايات على صحته؟
للأسف لا، وهنا يقع اللوم على المؤسسات الإعلامية بشتى أنواعها فهي قادرة على لعب دور مهمّ في هذا الخصوص لكنها أصبحت اليوم تُفضّل البرامج الترفيهية المسليّة التي قد لا تعود على المشاهد بأية منفعة أو البرامج السياسية التي تملأ منابر الإعلام، في حين لا تعير برامج التوعية الصحيحة أية أهمية إلا إذا حلّت المصيبة على أحد الإعلاميين أو السياسيين مثلاً فتُكثِر من التحذيرات والتنبيهات للمشاهدين بشكل مؤقت، وهكذا فنحن لا نتعلم إلا بعد فوات الأوان وهذه أكبر كلفة بشرية ومعنوية يمكن أن يدفعها الإنسان.
تعليقات الزوار