لطالما وصف بـ "مستشفى الشرق الأوسط"... كيف لهذا البلد أن يعطي الحياة من جديد لمرضى قدموا إليه من الخارج، ولا حياة يعطيها لأبناء شعبه ولا أمل لهم بعد أن كان لبنان هو الأمل... كوارث لا تعدّ ولا تحصى تتساقط يومياً على رؤوس ساكنيه وعدادات الدين تزداد في كل دقيقة مئات آلاف الدولارات... دين متفاقم وإقتصاد على شفير هاوية وأحد لم يحرّك ساكناً... كل على حق وكل يريد محاربة الفساد وكل غير مسؤول عمّا أصابنا من فقر وتراجع وبطالة وفساد وغلاء في المعيشة...
وسط مركب تتقاذفه الأمواج الإقليمية والتيارات الداخلية الباردة منها والمُلتهبة، لبنان وشعبه ينوءان تحت جبروت محرّك الأسعار الذي لا يتوقَّف عن الإرتفاع. تُلاعبه أيادٍ لم تكتفِ بتطاولها على المال العام وخيرات البلاد كما ثرواتها، لأنَّها لم تشبع بعد، ولن تقف حتى التهام آخر رغيف.
وعلى مفترق الطريق تتربَّص بنا بورصة عالمية تفرض قواعدها المالية فلا نربح منها إلاَّ أسهم الفقر، لتُعاود الإستثمار في تداعياته وما هي إلاّ أمراض وأزمات وزعزعة لأمننا الاجتماعي، فتشدّ الخناق أكثر وتطالبنا بخُوّات وفوائد ديون اقترضها رجالات الحكم في لبنان ولم يأخذوا برأينا ولم يجيبوا عندما سألناهم عمَّا فعلوا بها من إنجازات تستوجب دفع المزيد من الضرائب في كل مرة يعجزون عن سدادها.
وقولنا هذا بعيد عن الصراع الطبقي الكلاسيكي الذي تعانيه المجتمعات البشرية، لأنّ الظواهر المتفشيّة عنه لم تعُد تحصر المسألة بقلَّة مستأثرة بالثروات وفقير يشتهي أطباق الأغنياء فقط، بل أصبح هذا الواقع المرير ينتج ظواهر غير طبيعية تغيّر من فكر الإنسان واقتصاده وتضرب قيمه فتكون مدخلاً إلى تفتيت كل المجتمع ومعه يذهب الوطن كما هو لبنان مهدّد اليوم بكل أُسُسه.
لقد حفظ لنا الدستور كمواطنين حقّ العيش الكريم والطبابة والتعليم والعدالة والإنماء، فهل ينزل المعنيون من أبراجهم العالية ليلامسوا عن قرب المآسي التي يشترك الجميع في صنعها؟ ومتى يعتبرون لبنان وطناً وليس شركة خاصة ملكاً لهم وللورثة الذين يستثمرون فيها كما يشاؤون، لأنَّه في كل مرة تزيد الأسعار سخونة سترتفع درجة الغليان في النفوس ومع انفجار بركانها لن تبقى لهم القصور ولا الامتيازات التي اقتنصوها، فهل يتنبّهون؟
أتمنّى لو يقرأ الجميع هذه الكلمات لعلّهم يصحون من سباتهم الشتوي الذي أطالوا به الرقود... لقد سئمنا العيش منتظرين أيّ كارثة ستحلّ علينا بين لحظة وأخرى... خائفين من مصير مجهول ومستقبل لا نرى منه ولا بصيص أمل... أحلامنا كثيرة وكلها مرهونة بأيدي مجموعة لا مقولة لها إلاّ "اللهم نفسي"...
تعليقات الزوار